بقلم: د. نظمي خليل أبوالعطا

يزخر القرآن الكريم بالعديد من الإشارات العلمية في آياته بما يدلل دلالة قاطعة على أهمية هذه الحقائق الواردة في تلك الإشارات في إثبات أن هذا القرآن منزل من الخالق سبحانه وتعالى، فالمختصون في علم النبات يعلمون علم اليقين أن العوامل التي تؤثر في إنتاج النبات بخصائصه المختلفة هي: الهواء والبيئة الخارجية المحيطة بالنبات، والأرض التي يوجد فيها النبات وجنس النبات ونوعه، وطريقة التكاثر المستخدمة وماء الري، والعوامل الوراثية.

فالهواء يمد النبات بثاني أكسيد الكربون المهم لعملية البناء الضوئي والأكسجين ونسبته في الهواء ونقاء الهواء وخلوه من الملوثات والآفات، والبيئة المحيطة وكمية الضوء والظل وساعات سطوع الشمس وغيابها، والتربة الزراعية وتركيبها المعدني وما تحتويه من مخصبات زراعية وكائنات حية دقيقة وبقاياها، ودرجة احتفاظها بالماء وصرفه والأملاح المتراكمة فيها، وماء الري وما يحمله من معادن وأملاح وملوثات وجنس النبات ونوعه وخصائصه الوراثية.

– وقد تضمنت الآية الرابعة من سورة الرعد جميع العوامل السابقة في تصريح وفي ذكر خفي: قال تعالى: (وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صنْوَانٌ وَغَيْرُ صنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الرعد (4).

– فالهواء واحد والتربة واحدة (وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ).

– والأجناس والأنواع والأصناف مختلفة (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ).

– وماء الري واحد (يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ)، والطعم مختلف (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ).

– فما هو العامل الخفي المؤثر في الشكل والطعم والرائحة؟!

– إنه العامل الوراثي المميز لكل جنس من هذه الأجناس والأنواع والأصناف النباتية.

– يقول الأستاذ عبدالرحمن الميداني في كتابه براهين إيمانية: يأتي البحث العلمي فيهدي علماء النبات فيقول لنا: (إن ذلك يرجع إلى مخططات مرسومة في نويات بزور النبات، والنباتات تنبت وفق هديها، وتأخذ حاجتها من التراب والماء وفق مخططاتها المعدة إعداداً تاماً فهي لا تحيد عن هدى هذه المخططات) (ص363) (انتهى).

– ويأتي عالم النبات والمختص فيه فيقول لنا: (من المعروف علمياً أن البذرة التي ينتجها أي نوع نباتي، ما هي إلا نتاج إتحاد حبة من حبوب اللقاح الذكرية، وبويضة في مبيض الزهرة، وحبوب اللقاح قد تكون من نفس الزهرة التي تلقح بويضتها أو من زهرة مختلفة، أو من زهرة يحملها فرد آخر من نفس النوع، يعني ذلك أنه في أحوال كثيرة تنشأ حبوب اللقاح في أزهار ونباتات تختلف في صفاتها الوراثية عن تلك التي تنشأ فيها البويضة، ويعد ذلك سبباً من أسباب تباين الصفات الوراثية للبذور الناتجة. وفي كل الحالات فإن البذرة الناتجة تحمل صفات من النباتين الأبوين فهي ليست من أصل واحد، والنباتات التي تنتج عن إنبات هذه البذور غير صنوان، أي قد حدث تهجين عند تكوين بذرتها، وهي عملية تندمج فيها الصفات الوراثية ويؤدي ذلك إلى إنتاج نباتات ذوات صفات قد تختلف عن النباتين الأبوين ولا شك أنها نباتات غير صنوان ذوات أصول متباينة غير متماثلة.

– أما النباتات التي تنتج عن فسائل أو تطعيم بالقلم أو البرعم، أو ترقيد لفروع منها في التربة أو عن درنة أو جزء من أجزاء كورمة أو بصلة (وهذا ما يعرف بالتكاثر الخضري) (Vegetative Reproduction) فإنها تحمل صفات وراثية متماثلة للنبات الذي أخذت منه، وهي نباتات صنوان لأن (صنوان) تدل على الأصل الواحد، وعدد من العقل من نبات واحد، أو درنات من نبات واحد يعطي نباتات تحمل نفس الصفات الوراثية للنبات الأم، أي نباتات صنوان) انتهى.(معجم النبات، كمال الدين البتانوني(81))

– وهذا فتح علمي وفق الله تعالى اليه الدكتور البتانوني أستاذ علم النبات، وقد سبق لي (كاتب هذا المقال د.نظمي) أن توصلت إلي هذه الحقيقة بمفردي وسجلتها في أحد مقالات تحت عنوان (الفعل الجيني في القرآن الكريم).

– وقد زكى الله تعالى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام بأن وصفهم بأنهم شطء رسول الله، أي لم يغيروا ولم يبدلوا وكان كل واحد منهم رسولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

– قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ  تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الفتح (29).

– فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزرع والصحابة وأهل البيت هم الشطء، والشطء هو الفسيلة الناتجة بالنمو الخضري (صنوان) أو هو الفرع أو الورقة، وفي هذا شهادة علمية نباتية قرآنية أن الصحابة لم يغيروا ولم يبدلوا ولم يبتدعوا في الدين وحملوا الرسالة بنفس الصفات والخصائص كما يحمل الشطء الصفات والخصائص من النبات الأم (الزرع) كما تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا سريعوا الإزهار والإثمار والإنتاج كما هو الحال في الفسائل والفروع والبراعم الخضرية (الشطء)، وهذا إعجاز علمي لا يعلمه إلا علماء النبات. (انظر التفصيل في بحثنا عدالة أهل البيت والصحابة بين الآيات القرآنية والتراكيب النباتية معجزة علمية وانظر نفس الموضوع في كتابنا بناء الشخصية الإسلامية في السيرة النبوية، وكتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات).

– وقد زكى الله تعالى الصحابة رضوان الله عليهم بقوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب (23-24).

– وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة (119).

– إنها دعوة من الله تعالى لنكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وآل بيته الطيبين الطاهرين رضي الله عنهم أجمعين والحمدلله رب العالمين.

وبهذه الإشارات العلمية في الآيات القرآنية أدلة قاطعة أن هذا القرآن من لدن رب البرية الذي خلق الكائنات الحية ومنها النبات الشاهد الصادق والقوي على ألوهية القرآن الكريم.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٥٩٦- الجمعة ٤ ديسمبر ٢٠٢٠ م، الموافق ١٩ ربيع الآخر ١٤٤٢هـ