بقلم: د. نظمي خليل أبوالعطا

القرآن الكريم هو المعجزة الإلهية للبشرية بعدما تخطت المراحل الأولى من مراحل تطورها الحضاري والفكري والعلمي، ضمنه الله تعالى إشارات وحقائق وعمليات علمية تدل دلالة قاطعة على أنها مفاهيم وحقائق علمية ادخرها الله تعالى في كتابه إلى عصر العلم التقني التجريبي، هذه الإشارات والحقائق العلمية تدل دلالة قاطعة على أن هذا الكتاب منزل من لدن العليم الخبير.

– فالمعلوم علميًا أن الحبة في النبات شيء والبذرة شيء آخر، وهذا ما توصل إليه علماء النبات حيث وجدوا أن الحبة ثمرة كاملة (مثل حبة القمح وحبة الشعير وحبة الأرز وحبة الذرة) أما النواة أو البذرة فهي جزء من الثمرة مثل نواة البلح، وبذرة الخوخ، وبذرة المشمش، وبذرة المانجو, وهذا ما قرره القرآن الكريم بعلمية ووضوح لا لبس فيه فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) الأنعام (95)، ورغم اختلاف الحبة والنواة في التركيب ولكنهما يشتركان في الوظيفة، وقد هيأ الله تعالى الحبوب والبذور لمهمة التكاثر الجنسي حيث ينتجان عن التكاثر الجنسي الزهري الناتج عن اتخاذ حبة اللقاح بالبويضة، وقد هيأ الله تعالى الحبوب والبذور لمهمة إنتاج النبات الجديد فخلق في كل حبة وكل بذرة جنينا يحمل كل الصفات الوراثية المطلوبة للنبات الجديد من الأبوين من حيث الخصائص في الشكل الظاهري والوظائف الحيوية ومن العجيب والمقدر بميزان القدرة والحكمة أن كل حبة وكل بذرة تحتوي على كمية محددة من المواد الغذائية تكفي الجنين من بداية الإنبات وإنتاج الجذير (الذي سيعطي الجذر) والرويشة التي ستعطي الساق والأوراق التي تبدأ في القيام بعملية البناء الضوئي والتغذية الذاتية وفي هذه اللحظة ينفد الغذاء المدخر في الحبة والبذرة وينفطم النبات ويبدأ في النمو.

– ومن الأمر العجيب والعلمي والمعجز في هذه الآية قول الله تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) الأنعام (95)، فما العلاقة بين انفلاق الحب والنوى وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي، هذا هو العلم الإلهي الذي يغيب عن الجهلاء ويعلمه العالمون المختصون في علم النبات، فالمواد الغذائية المدخرة في الحبة والبذرة مواد كيماوية ميتة إما مواد كربوهيدراتية أو مواد دهنية أو مواد بروتينية، هذه المواد عندما ينبت الجنين ينتج فيصًا مقدرًا ومحددا من الإنزيمات المتوافقة مع نوع الغذاء المدخر فيحول المادة الغذائية معقدة التركيب مواد ذات تركيب جزيئ بسيط عندما تنفذ من غشاء الجنين تتحول إلى سيتوبلازم حي، وعُضيات حية وخلايا حية مفسرة بذلك الإعجاز في ربط الآيات القرآنية بين انفلاق الحب والنوى وإخراج الحي من الميت، ويبدأ الجنين في النمو والتغذية وإنتاج المواد الإخراجية الميتة التي تعبر غشاء الجنين وتخرج، فهل جاءت هذه العمليات مصادفة وعشوائية كما يدعي الجاهلون المنكرون لوجود الخالق المقدر والمدبر العليم؟!!!

– والمعلوم أن الحبة والبذرة تمر في مرحلة الإنبات بتغييرات فيزيائية وتغييرات كيماوية (تحويل الغذاء المدخر إلى جزيئات بسيطة)، وتغييرات حيوية ينتج عنها إنتاج الجذير الذي يتجه إلى التربة للقيام بوظائفه التي خلق من أجلها من حيث التثبيت في الأرض، وامتصاص الماء والأملاح والمعادن ورفعها بالضغط الجذري إلى الساق والأوراق حيث الشد السلبي للماء والمساعدة للضغط الجذري على رفع الماء وما يحمل من معادن وأملاح إلى المجموع الخضري (الساق وما يحمل).

– وقال الله تعالى عن بذور الزيتون (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) المؤمنون (20)، فهي تعطي ثمار الزيتون المليئة بالدهن والغذاء المدخر في بذور الزيتون هو الدهن الذي ينبت عليه جنين البذرة حيث يحوله من دهن إلى خلات نشطة يستخدمها الجنين مصدرًا كربوهيدراتي للطاقة، وهذه العملية لم تكتشف إلا في سنة (1956م) في دورة خاصة وقد احتار علماء اللغة في موقع الباء في كلمة (بالدهن) وقال بعضهم أنها زائدة ويأتي العلم الحديث ليثبت أنها ليست زائدة بل في موضعها العلمي فالبذور (تنبت بالدهن) الغذاء المدخر فيها، إنه الإعجاز العلمي الخفي الذي لا يعلمه إلا من تخصص التخصص الدقيق في علم النبات، فارتباط انفلاق الحي بالميت في الحبوب والبذور إعجاز علمي، وإنبات بذور الزيتون بالدهن إعجاز آخر وهذه العمليات المعقدة تتم بقدرة الله قال تعالى: (وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) النمل (60).

– وقد ربطت الآية في عملية فائقة وإعجاز معجز بين الماء والإنبات، فالماء شرط أساس وضروري لعملية الإنبات، وقد تظل الحبة أو البذرة في التربة عدة سنوات لا تنبت ولا تتحرك جزيئاتها إلى أن ينزل عليها الماء فتبدأ العملية العجيبة العظيمة المعجزة عملية الانبات، بعد ذلك تبدأ عمليات حيوية ومثيرة، من انقسام خلوي عجيب وصبغيات (كروموزومات) تتكون، ومغازل تُنسج، وجدر تبنى، وحرارة تنبعث وحياة تدب، وهرمونات تتكون، وفيتامينات تعمل، وأعضاء تتكشف، وجذير يتجه إلى الأرض، وسويقة (رويشة)، تتجه إلى أعلى، في حماية عجيبة وتقدير إلهي دقيق وتتكون الأوراق والبراعم والأزهار والثمار وغيرها من بلايين العمليات الحيوية المعجزة الدالة على أن للكون وللنبات خالق عليم خبير لطيف، وأن هذا القرآن منزل من عند الله سبحانه وتعالى يعجز البشر عن الاتيان بمثله وهذا ما عجزت عنه البشرية إلى الآن وما زال التحدي قائم أمام الباحثين والمرجفين والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.

(انظر كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات، وكتابنا اعجاز النبات في القرآن الكريم، حيث المزيد والسبق العلمي في هذا المجال والحمدلله رب العالمين).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٥٩٠- الجمعة ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٠ م، الموافق ١٢ ربيع الآخر ١٤٤٢هـ