من أعصب الأوقات في حياة الإنسان انتظار نتيجة الامتحان، وأصعب منها مشاهدة الناجحين يفرحون والراسبين يبكون وهو رغم تفوقه يدعو الله أن يكون من الناجحين ويستعيذ بالله ان يكون من الراسبين، إنها المشاهد المرعبة والحيرة المقلقة المدمرة.

– أصحاب الأعراف تجمع بشري ينظر إلى تجمعين تجمع أصحاب الجنة وتجمع أصحاب النار.

– تكشف لنا الآيات القرآنية عن مشهد يحكي أصحاب الجنة وأصحاب النار يوم القيامة والحوار الدائر بينهم وأحوالهم النفسية (والعصبية) في هذا الموقف العصيب (معجم الأعلام مرجع سابق).

– من نعم الله على عباده أنه صور لهم في كتابه الكريم مشاهد يوم القيامة في مواقف تعليمية تعلُميَة فريدة كأنهم يرونها رأي العين مستخدمًا التصوير الفني المعجز في القرآن الكريم، ليقيم الحجة على عباده ويحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.

– يبين لنا سبحانه وتعالى في أحد المشاهد المهيبة لاستقرار أهل النار في النار، وهم يلتظون ويصرخون ويستغيثون وينادون، وفي المقابل يصور لنا مشاهد أهل الجنة في الجنة يتنعمون.

– ويقف بين الفريقين والتجمعين أصحاب الأعراف ينظرون لهؤلاء فيرون عذابهم ويسمعون صراخهم واستغاثاتهم، فيدب الرعب في قلوبهم ويتعوذون بالله أن يكونوا معهم، وفي المقابل عندما ينظرون إلى أهل الجنة وهم يتنعمون والملائكة ترحب بهم والغلمان المخلدون يطوفون عليهم بشراب الجنة والكل يقول لهم سلام عليكم.

– في مشهد بين قرآني معجز وبليغ وفي صورة فنية رائعة يجسد الله سبحانه وتعالى موقف أصحاب الأعراف قال تعالى: ‭{‬ونادَى أصحاب الْجَنَّةِ أصحاب النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ‭}‬ الأعراف:44-45.

– هؤلاء الذين يعتبرون الدين الإسلامي تخلفًا ورجعية، والحكم بشرع الله همجية، والتمسك بدين الله رجعية ملأوا الإعلام بالمقالات والمسلسلات والمسرحيات والأفلام والبرامج الصادة عن سبيل الله ويبغونها عوجًا يسود فيها العري، والفجور والعصيان والفساد والطغيان.

– وفي المقابل أهل الدين ينادون بتنظيف الحياة بشرع الله ويدعون إلى طاعة الله ورسوله: ‭{‬وَنَادَى? أصحاب الْجَنَّةِ أصحاب النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ * وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أصحاب الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أصحاب النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى? أصحاب الأَعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى? عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَ?ؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * وَنَادَى? أصحاب النَّارِ أصحاب الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَ?ذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى? عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‭}‬ الأعراف:44-52.

– موقف تفصيلي واضح لا لبس فيه ولا غموض ولا خداع أو تدليس (مواقف تربوية- نظمي خليل أبو العطا- معهد الإمام الشافعي الدراسات الإسلامية- مملكة البحرين (ط1) (ص49)(2011)م.

– وهكذا تتوالى صفحات المشهد جيئةً وذهوبًا، لمحة في الآخرة ولمحة في الدنيا، لمحة مع المعذبين في النار كما نسوا لقاء يومهم هذا وكما جحدوا بآيات الله وقد جاءهم كتاب مفصل مبين فصله الله على علم، فتركوه واتبعوا الأهواء والأوهام والظنون (ظلال القرآن، سيد قطب، دار إحياء التراث بيروت: لبنان (1971)م.

– لقد بذل المفسرون جهودًا تفسيرية في بيان من هم أصحاب الأعراف، وكما قلنا سابقًا ليس المهم من فعل ولكن الأهم ماذا فعل، إن كان في بيان المراد به فائدة ما تركنا الله دون هذه الفائدة والله أعلم.

– إن مهمتهم بيان حال أهل النار وحال أهل الجنة من رأى وسمع وتيقن وعاين وقارن ووصف وصفًا دقيقًا.

– أما عن حالهم فإنه يأتي على أصحاب الأعراف وقت تُصرف فيه أبصارهم تلقاء جهة أصحاب النار، ولعل ذلك (لندرك) مقدار الفضل والرحمة الإلهية التي منحها الله عز وجل لنا لنسأل الله أن نكون من أهل الجنة ونتعوذ أن نكون من أهل النار فنقول ‭{‬لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‭}‬ مثلما يقول أهل الجنة ‭{‬رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا‭}‬ التحريم:8. ونقول: ‭{‬الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ‭}‬ فاطر: 34. على سبيل اشكر لله ولتعليم وتعلُم عباد الله، (معجم الأعلام)، (مرجع سابق) (ص110)، (بتصرف).

– هذا موقف تربوي عظيم بين الناس، الفوز العظيم قال تعالى: ‭{‬كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ‭}‬ آل عمران185.

– وفائدة الموقف في السابق تبيان تبين أن الجزاء على قدر الإيمان والعمل الصالح، والترغيب في التسابق في أعمال الخير والتحذير من أعمال الفساد والشر (انظر مواقف تربوية)، (مرجع سابق)، (صفحة 52).

– هذا الموقف يقيم الحجة على العَلْمانيين (بفتح العين) من بني جلدتنا المغرر بهم والمغيبين عن الحقيقة فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة والله أعلم.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٣٩٣ – الجمعة ١٥ مايو ٢٠٢٠م، الموافق ٢٢ رمضان ١٤٤١هـ