بقلم: د. نظمي خليل أبوالعطا

عندما تفحص رسالة علمية وأنت مؤهل تستطيع أن تحكم على علميتها وصحة نتائجها ومقدرة الباحث الذي تقدم بها وأعدها وهذا ما تقوم به الأقسام العلمية في الحكم على صحة هذه الرسالة وصلاحيتها لمنح معدها الدرجة العلمية ونفس المنحنى تقوم به المجلات العلمية المحكمة في فحص الأوراق والبحوث العلمية وصلاحيتها للنشر.

– هذا هو المنحنى العلمي للحكم على الأعمال العلمية، وإذا أردنا أن نحكم على ألوهية الآيات القرآنية ومدى علميتها وصحتها، علينا دراسة الأدلة العلمية في الآيات القرآنية ومدى علميتها وصحتها، فإن كانت هذه المفاهيم الواردة في الآيات القرآنية تتنافى مع الحقائق العلمية فإن هذا التنافي وحده كاف بالجزم بعدم ألوهية هذا الكتاب لأنه لا يعقل أن يكون الخالق للحقائق العلمية لا يعلم كنهها ويفهمها على غير حقيقتها، أما إن تطابقت تلك الآيات مع الحقائق العلمية فإن هذا يقطع أن منزل هذا الكتاب هو خالق الأدلة الواردة في الآيات القرآنية.

– في البداية لا بد أن نوضح أن القرآن الكريم ليس كتابًا في العلوم الكونية (أحياء وكيمياء وفيزياء وحيوان ونبات وجولوجيا وفلك) ولكنه كتاب هداية ضمنه الخالق سبحانه وتعالى إشارات ومفاهيم وحقائق عليمة تؤكد على علمية هذا الكتاب وإلهيته. وحتى يكون التحكيم العلمي صحيحا وعلى منهاج علمي صحيح علينا أن نعرض هذه الأدلة على المختصين في المجالات العلمية كل واحد منهم في تخصصه العلمي الدقيق الذي يؤهله للحكم العلمي الصحيح على الأدلة لذلك سأتخير الأدلة العلمية النباتية والكائنات الحية الدقيقة والتربة الزراعية والعمليات الحيوية في مجال النبات فهذا مجال علمي وتخصصي الذي أجازتني الجامعة فيه في درجتي الماجستير والدكتوراه.

– أهم عملية حيوية عملية تتم على سطح الكرة الأرضية هي عملية البناء الضوئي وبها ينتج النبات الغذاء الحيوي والطاقة الحيوية للكائنات الحية غير ذاتية التغذية أي التي لا تستطيع تكوين غذاءها ذاتيًا من خاماته الأولية (الماء- الضوء- ثاني أكسيد الكربون) مثل الإنسان والحيوان وبعض البكتيريا والفطريات وغيرها.

– وأهم مركب يتميز به النبات هو (الكلوروفيل) أي الخضر أو اللون الأخضر في النبات وعندما يربط القرآن الكريم بين النبات واللون الأخضر الناتج عن الخضر فهذه حقيقة علمية لم يكن أحد يعلمها في العالم وقت نزول القرآن الكريم، ولكن القرآن أكد عليها في العديد من الآيات القرآنية قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ) يس (80).

وهذا يبين أن مصدر الطاقة (النار) هو النبات الأخضر.

وأهمية الكلوروفيل في إنتاج الغذاء جاء في قوله تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبا متَرَاكِبًا) الأنعام (99)، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرةً) الحج (63). أي خضراء كثيرة الخضرة بالزرع الأخضر.

– والحب المتراكب كسنابل الحنطة والشعير والذرة والأرز وهي أصل الغذاء على الأرض.

– جاء في معجم النبات من قاموس القرآن الكريم ان الخضرة في النبات ناتجة عن وجود صبغات الكلوروفيل المسمى اليخضور وكلمة كلوروفيل (chlorophyll) كلمة من مقطعين الأول (chloro) ويعني أخضر والمقطع الثاني (phyll) يعني ورقة (leaf) (أي ورقة النبات).

– وتعتبر الكلوروفيللات، تلك الصبغات في النبات من أهم الصبغات النشطة في عملية التمثيل الضوئي… ومن الصعب أن يتصور الإنسان أن توجد أو تنشأ الحياة التي نراها دون وجود الصبغات الخضراء التي توجد داخل البلاستيدات الخضراء (في النبات) وهي مركبات لها دور كبير في تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيمائية في النبات ومسيرة الحياة (على الأرض) (تتوقف) على امتصاص الطاقة الإشعاعية (للشمس) وتحويلها إلى طاقة كيميائية (في الروابط الكيميائية في المواد الغذائية ومواد الطاقة في النبات مثل (ATP)، (ADP)، (AMP) وغيرها. (انتهى بتصرف وإضافات توضيحية ومهمة).

– فهل يستطيع أي إنسان غير متخصص أن يقرر هذه الحقيقة العلمية المبهرة التي قررها القرآن الكريم منذ أكثر من ألف عام. هذه الحقيقة العلمية الواردة في العديد من الآيات القرآنية تقرر وتثبت بما لا يدع مجالا للشك أن القرآن الكريم منزل من خالق النبات وخالق اليخضور وخالق الحب المتراكب، وهذا من أقوى الأدلة العلمية على ألوهية الآيات القرآنية، وقد ظلت هذه الإشارات العلمية في الآيات القرآنية محجوبة الدلالة على المفسرين السابقين حتى إذا جاء عصر العلم وتدفق الحقائق العلمية تكشفت دلالات تلك الآيات التي أزعجت العلمانيين (بفتح العين) والمرجفين والمشككين في ألوهية القرآن الكريم لذلك نجدهم يقفون بكل قواهم للتشكيك في إعجاز هذه الإشارات والمفاهيم العلمية القرآنية.

– انظر إلى قول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأنعام (99).

– الإيمان العلمي العقلي المبني على الحقائق العلمية الواردة في العمليات الحيوية والأجناس النباتية وخصائصهما المرئية الواقعة تحت مجال البحث العلمي التجريبي، بدأت الآية بأهم شرط وهو انزال الله تعالى المطر من السماء على الأرض، فأخرج الله تعالى نبات كل شيء قابل للإنبات من البذور والحبوب وأعضاء التكاثر الخضرية غير الجنسية الكورمات والريزومات والدرنات وكذلك جراثيم الفطريات والبكتيريا والاكتينوميستات وخص بالذكر الخضر (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا) وما يترتب على إخراجه من إنتاج الحبوب المتراكبة في السنابل والكيزان وكذلك النخل وجنات الأعناب والزيتون والرمان متشابهة وغير متشابهة الأجناس والأنواع والأصناف والتي يفصل في تصنيفها علميًا عند التشابه تلك الثمار لذلك قال تعالى: (انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ). نظرة علمية بحثية تصنيفية تشريحية تركيبية بما يؤكد لكم أن خالق هذه المخلوقات هو منزل هذه الآيات ومجري هذه العمليات الحيوية فتكون آيات وبراهين علمية لقوم يؤمنون على أسس علمية بعيدة عن الخرافة والأوهام والمناحي غير العلمية والعقلية في الإيمان وفهم حقائق العمليات النباتية في الآيات القرآنية.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٥٨٣ – الجمعة ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٠ م، الموافق ٦ ربيع الآخر ١٤٤٢هـ