الحبُ من أسمى المشاعرِ الإنسانية، ومع كل هذا السمو فإن كثيرا من المسلمين يعتبرونه عيبًا ويتعمدون حرمانَ بناتهم من الزواج ممن تحب، وهذا يتنافى مع الهدي النبوي الذي كان دائمًا يقولُ عن السيدة خديجة رضي الله عنها: إنِّي رزقت حبها، وكان يهش لصوت أختها هالة لتشابهه بصوت خديجة ويقول: «اللهم هالة»، وعندما سُئل صلى الله عليه وسلم عمن يحب قال: عائشة وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله عندنا يتيمة قد خطبها رجلان: موسر ومعسر وهي تهوى المعسر، فقال «صلى الله عليه وسلم»: «لم ير للمتحابين مثل التزويج» صحيح أخرجه ابن ماجة (1847) والحاكم (2/160) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وأورده ابن قيم الجوزية في روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ط1)(ص94)(1993م) وهو كتاب يقع في (531) صفحة من القطع (A4) ومجاله الحب، وللأسف فإنني ألَّفتُ كتابًا للمتحابين من شباب المسلمين ووزعته عند عقد قران ابنتي وأهديت نسخة منه إلى داعية خريج جامعة الأزهر الشريف وعندما سألته عن رأيه قال: أنا أخفيته عن بناتي حتى لا أفتح عيونهن على الحب مع أن الكتاب مدلل بالأحاديث النبوية الصحيحة.
وعندما ألَّفتُ كتابي أخي المسلم «اكتشف الإسلام» وضعت فيه موضوعًا بعنوان الإسلام يبني الحياة الزوجية على الحب وهو مرجعي الأساس لهذا الموضوع جاء فيه: في صحيح البخاري لما عتقت بريرة اختارت نفسها، فكان زوجها مغيث يمشي خلفها ودموعه تسيل على لحيته فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «لو راجعته فإنه أبو ولدك»، فقالت: أتأمرني؟ قال: «إنما أنا شافع» قالت: «فلا حاجة لي فيه».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه: «يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا؟!! «أورده ابن القيم في المرجع السابق» «ص40،159،94».
وهذه الواقعة تبين هدي تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم للحب أو البغض، وقد تعجب صلى الله عليه وسلم من حب مغيث لبريرة، وأشفق عليه وشفع له عند حبيبته «بريرة»، وتعجب من بغض بريرة مغيثًا، وأقرها على بغضها له ولم يجبرها على مراجعته ولم يأمرها بذلك، ولو أمرها لفعلت، وقد عجبتُ لأقوام لا يعترفون بالمشاعر ولا يعيرونها اهتمامهم، ويزوجون بناتهم لمن لا يحبون لأسباب لا علاقة لها بالدين، بل هي أسباب دنيوية بحتة، وقد تكون جاهلية وتظل المرأة تحلم بحبيبها الذي حُرمت منه، وربما كان زوجها أفضل منه ألف مرة ولو تزوجت من تحب ربما نفرت منه بعد الزواج وطلبت الخلع منه، ولكنها تظل مشتاقة إليه، وبقى حبها له بمرور الأيام وربما لو تزوجته لهدأ لهيب الحب وخفت وانظفأ.
وقد أحب المصطفى صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها كما قلنا سابقًا حبا لم يفارقه حتى بعد موتها، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم: «إني رزقت حبها»، وقد كان قلبه صلى الله عليه وسلم يخفق عند سماع صوت هالة بنت خويلد التي كان صوتها يشبه صوت أختها خديجة رضي الله عنها، فكان يقول «اللهم هالة بنت خويلد» «رواه مسلم» والبيت هو المكان الذي نعيش فيه مع من نحب من الزوجات والأولاد والأجداد والأحفاد والأرحام والخدم، ولذلك أسس الله تعالى البيوت على موجبات الحب من المودة والرحمة، واللباس والسكن، قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الروم 21).
والشاب المسلم، والفتاة المسلمة اللذان يحب كل منهما الآخر لغرض الحب فقط ولقضاء فترات دنيوية مؤقتة مع الطرف الآخر، بعيدًا عن الأهل والخطبة الشرعية والإعلان الشرعي والإشهار قد حادا عن الطريق المستقيم، والسلوك القويم والأخلاق الحميدة، فتفرقت بهما سبل الشيطان عن سبيل الله، وإن ماتا على هذه الحال فقد ماتا على خطر عظيم وحالة من الجاهلية والسلوك في الحب خطيرة، وغير شرعية.
وعلى المتحابين بغير الطريق الشرعي أن يفكرا في المقاصد الدنيوية والأخروية في هذا الحب العقيم الأثيم الذي لا ثمرة شرعية فيه ولا نتيجة صالحة، فإنه إن لم تكن هناك جنة للمتقين ونار للعاصين لكان في هذا الحب من المفاسد الدنيوية ما يبعد الحبيبين عنه من السمعة السيئة والتاريخ السيء الأسود بين الناس، والمعاصي التي ترتكب أثناء فترة هذا الحب العقيم الفاسد، والمفاسد التي تترتب عليه من ضياع المروءة والأخلاق الحسنة وسمعة المسلمين لكفى «رسالة إلى المتحابين من الشباب، نظمي خليل أبو العطا موسى».
إن جاءكِ من تحبينه فاطلبي منه أن يطرق البيت من بابه، ويذهب إلى والدك أو ولي أمرك، يخطبك منه، وعلى أولياء الأمور مراعاة مشاعر الأبناء حتى لا ينفرط العقد ويضطر الأبناء إلى المخالفات الشرعية بالمطالب الدنيوية الفانية التافهة والفاسدة والمتغيرة، رحبوا بإتيان الحبيب إليكم من الباب الشرعي وساعدوهم على الزواج الشرعي حتى لا تضطروهم إلى المخالفات الشرعية وفتح أبواب اللقاءات التي تورثنا العار كما هو الحال في الزواج السري والزواج العرفي غير الموثق الذي تترتب عليه العديد من المشكلات الاجتماعية والأسرية والخلقية والمادية التي لا حصر لها ومنها قضايا هزت الرأي العام وأشعلت وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية والرأي العام بسبب المخالفات الشرعية التي تترتب عليها مفاسد عديدة خاصة في وجود أطفال من هذا الزواج المعوج والباطل.
الإسلام دين الفطرة والوسطية والواقعية وقد جعل الله تعالى الزواج الشرعي عبادة وأمر المسلمين بتزويج من لا زوج له في المجتمع حتى لا يصبح في الحي أعزبًا واحدًا من البنين والبنات كما قال تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) «النور 32»، فالزواج الشرعي هو الطريق الإسلامي لمواجهة الحاجات الفطرية للإنسان، وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة، وعلينا أن نزيل العقبات من طريق الزواج الشرعي، لتسير الحياة على فطرتها ويسرها، ولنتجنب العديد من المشكلات التي قصمت ظهر المتعرضين لها خاصة في المجتمعات الإسلامية المحافظة على دينها وأعراض أبنائها فهما أغلى ما عندهما، والحب الشريف العفيف يؤدي إلى التوازن النفسي والاجتماعي والحيوي والبدني والصحي، ويزيل العقبات من طريق الحياة السوية، وهو يحتاج إلى رعاية دائمة وإلى دراية علمية وشرعية حتى تستمر شجرته في النمو والازدهار وتثمر الحياة الزوجية السعيدة والاجتماعية المستقرة انظر «تحفة العروس، محمود مهدي الإستانيولي، وتحفة العروس في سعادة النفوس، إبراهيم رمضان». و«أخي المسلم، اكتشف الإسلام»، نظمي خليل أبو العطا موسى، لتعلموا أن الحب العفيف الشريف هو طريق المسلمين للنجاح في الحياة الدنيا والنجاة في الدنيا والآخرة. وللحديث بقية بإذن الله.
نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٣٣ – الخميس ٢٣ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ١٨ رمضان ١٤٤٠ هـ