– العقود: هي العهود، والعقد هو الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة، كعقد الحبل، وعقد البناء، ثم يستعار ذلك للمعاني نحو: عقد البيع، والعقد وغيرها. (كلمات القرآن حسنين مخلوق، ومفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني).

– قال الشيخ عبدالرحمن بن السعدي في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (المائدة 1)، قال: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان الوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها: وقال: (وهذا شامل العقود التي بين العبد وربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الإنقاص من حقوقها شيئًا، والتي بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب ببرهم، ووصلهم، وعدم قطيعتهم، والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع، والإجارة ونحوها، وعقود (الشركات) والتبرعات، كالهبة ونحوها والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله تعالى بينهم بقوله «إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (الحجرات 10)، بل التناصر على الحق والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين، وعدم التقاطع، فهذا أمر شامل لأصول الدين وفروعه فكلها داخلة في العقود التي أمر الله القيام بها (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان).

– وقال صاحب الظلال: في تفسير قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (المائدة 1)، قال: (لا بد من ضوابط للحياة… ضوابط المرء مع نفسه التي بين جنبيه، وحياته مع غيره من الناس والأحياء والأشياء عامة… الناس من الأقربين والأبعدين، من الأهل والعشيرة، ومن الجماعة والأمة وبين الأصدقاء والأعداء… والأحياء مما سخر الله (تعالى) للإنسان… والأشياء مما يحيط بالإنسان في هذا الكون العريض…ثم… حياته مع ربه ومولاه وعلاقته به، هي أساس كل حياة) أ.هـ.

– مما سبق نرى أنه إذا وفينا بالعقود وانضبط كل مسلم على أمر الله تعالى في قوله: «يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (المائدة 1)، نجح المسلمون في حياتهم وفازوا في الآخرة، واستقامت حياتهم فإذا وفى المسلم بالعقد الأول مع ربه الوارد في قوله تعالى: «وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ» (الأعراف 172)، ووفاء المسلم بهذا العقد الأول الذي أخذ عليه في عالم الذر يوجب عليه عدم الإشراك بالله وعدم الكفر به والعبادة لغيره، وهذا العقد يوجب عليه اتباع شرع الله الإسلام الحنيف كما ورد في الكتاب والسنة النبوية الصحيحة.

– ولو وفى المسلم بشهادته أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عصى مسلم أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه وما حكم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينه وبين عباد الله، وما ابتدع في دين الله، وكان من نتيجة ذلك: اتباعه السنة النبوية، واتخاذه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة في جميع الأقوال والأفعال والنوايا، مع الرضا والتسليم التام.

– وإذا وفى الزوج المسلم، والزوجة المسلمة بعقد زواجهما المؤسس على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما ظلم زوج زوجًا، وما قصر في مسؤولياته وسادت السعادة وسكنت بيوت المسلمين، واختفت الخلافات والمخالفات الاجتماعية والشرعية والاقتصادية والتربوية الأسرية، وساعتها تتحول بيوت المسلمين إلى دوحات للمحبة والرحمة والدفء والسكن والمودة للزوجين والأولاد والجدود والأرحام والخدم.

– وإن وفى المسلمون بعقد الله تعالى معهم، بعدم الإفساد في الأرض امتثالاً لقول ربهم جل جلاله «وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إصلاحهَا» (الأعراف 85) ما تلوثت مياهم ولا أرضهم، ولا شوارعهم ولا مؤسساتهم ولا فروجهم وأعينهم وأرحامهم وأيديهم، ولحظتها ستختفي الحروب بين المسلمين وبعضهم البعض وسيختفي الإفساد والتخريب والقتل والشذوذ في كل تصرفاتهم وفي تعليمهم وتربيتهم لأبنائهم.

– وإن وفى العامل المسلم بعقد عمله لأحسن العمل وأتقنه وأبدع فيه، وما أخر موظف مصالح العباد، وما تعطل الإنتاج وساعتها ستختفي جميع مظاهر السلوك الفاسد لدى العاملين المسلمين.

– إن طبق علماء المسلمين هذه الآية ما تكاسلوا، وما تخلفنا علميًا وتقنيًا وما تحولت الشهادات العلمية إلى رخص للوظيفة والترقية الوظيفية وما تحولت إلى وسائل مؤقتة للترقية، ولم يوسد الأمر للجهلاء. إن طبق الإعلامي المسلم قول الله تعالى: «يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (المائدة 1) في أعماله، لانتشرت وسائل الفضيلة واختفت دواعي الرذيلة، وما بددت أموال المسلمين وأوقاتهم في اللهو والمجون.

– إن طبق المعلم المسلم الآية السابقة في حياته لم يتكاسل، ولم يتقاعس عن التدريب وتحصيل العلم وطرائق تعليمه وتعلمه الحديثة والمتطورة، وأصلح التعليم، وانصلح حال المتعلمين والأمة.

– وإن وفى الطالب المسلم بالآية السابقة لامتلأت مدارسنا بالمتعلمين الجادين والمبدعين والنوابغ والمحافظين على مؤسساتنا التعليمية والحريصين على العلم وتحصيله والموقرين لأساتذتهم ومديريهم وزملائهم، وعمالها وأولياء أمورهم وساعتها ستختفي كثير من المظاهر السلبية في حياتنا التعليمية ونجحنا في حياتنا الدراسية وتفوقنا وتقدمنا علميًا وتقنيًا.

– وإن طبق الحاكم المسلم الحكم بالعدل أمن الشر ونام قرير العين في ظل مواطنين يحبهم ويحبونه.

– وإن طبق المواطن المسلم الآية السابقة لأرحنا الشرطي والمحتسب ورجال الصحة، وما خرب أي مسلم أي شيء في وطنه وساعتها تختفي الجريمة ويتحول المواطن إلى حارس أمين للحاكم والوطن والمواطنين.

– إن طبق المسلمون هذه الآية، ما اختلفوا امتثالاً لأمر ربهم القائل لهم «وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصابِرِينَ» (الأنفال 46)، وهكذا أخي المسلم وأختي المسلمة، لو طبقنا هذه الآية (أوفوا بالعقود) لنجحنا في حياتنا وفزنا في آخرتنا، وتحولت حياتنا إلى أمن وأمان وتوارثنا جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الموفين بعقودهم، هذه ليست دعوة خيالية ولكنها واقع طبق في عهود طويلة في حضارتنا الإسلامية وكان السر خلف بناء الحضارة الإسلامية العلمية التقنية الخلقية الفريدة التي أنارت الأرض في أوقات كان الجميع في العالم المحيط بنا تائها في التخلف والظلام والظلم والجهل والمرض. هذا دورك أخي المسلم لتطبيق هذه الدعامة من دعامات النجاح الإسلامية في حياتك لتكون من الناجحين في الدنيا الناجين في الآخرة الفائزين بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الموفين بعهودهم. (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٣٠ – الاثنين ٢٠ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ١٥ رمضان ١٤٤٠ هـ