الصنف الأول متكرر في العالم حيث الباحثين العلميين المشهورين في مجالات العلوم الكونية كالفيزياء والكيمياء والأحياء والطب والفلك وحصولهم على أعلى الشهادات والأوسمة والمناصب والحصول على جائزة نوبل في الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء، ومع كل هذه النجاحات فهو يعلن أنه ملحد لا يؤمن بوجود خالق لهذا الكون، ويعتقد أن الإنسان خلق بالمصادفة والعشوائية وتطور بالطفرة والانتخاب الطبيعي، ويعتبر الإنسان مجموعة من المواد الكيميائية والعلاقات الفيزيائية مع حفنة من الإلكترونات والمواد الكيماوية، هذا الصنف مع نجاحه الدنيوي فهو هالك أخرويا لا محالة، وهو حطب جهنم وإن كان البعض يستنكر وينكر دخول هذا العالم النار.

والصنف الثاني هو الصنف الفاشل الهالك، فشل في حياته التعليمية ووجد في إعلان إلحاده مجالاً للشهرة وتعويض ما فاته في وقت شبابه ويلقب نفسه بألقاب براقة فهو تارة عَلماني (بفتح العين)، وتارة ملحد، وتارة كافر وتارة ليبرالي، وهكذا يتخبط وينتقل من فشل إلى فشل على الساحة الإعلامية، وهو بإعلانه الكفر صراحة والإلحاد فقد أهلك نفسه، وخاصة أنه ينكر البعث والحساب والجنة والنار، والحياة عنده أرحام بيولوجية تدفع، وأرض ميتة تبلع وما يهلكه إلا الدهر، وهذا شخص فاشل في الدنيا هالك في الآخرة لا محالة.

والصنف الثالث: ناجح في الدنيا ناجح في الآخرة لأنه يؤمن أنه مخلوق لغاية مقدرة أوجده الخالق للقيام بها في الدنيا، وهو يؤمن بالله سبحانه وتعالى صاحب الخلق والأمر، وأن الله تعالى أرسل إلينا الرسل وأنزل الكتب، وأنه انتقل من عالم الذر، إلى عالم الأمشاج في الآباء، ثم إلى عالم الأرحام والأجنة، ثم انتقل إلى عالم الطفولة، والشباب والقوة، ثم عالم الشيخوخة والضعف، ثم يأتيه الموت فينقله من الحياة الدنيا إلى عالم البرزخ بخصائصه الخاصة، ثم يقوم إلى البعث للحساب، وقد بين الله تعالى أحداث يوم القيامة بيانًا واضحًا لا لبس فيه، وهذا من رحمته بعباده وإقامة الحجة عليهم حتى أن خزنة النار يقولون لهم قال تعالى: «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)»   (الملك 6-11).

فليس هناك أوضح من هذا البيان القرآني.

وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى الله الأماني) رواه الترمذي وأحمد والحاكم وابن ماجه.

والكيس: العاقل المتبصر في الأمور الناظر في العواقب وقد كاس بكيس، كيسًا، والكيس العقل.

ودان نفسه، قهرها وطوعها ويحاسبها.

الهوى: ميل النفس إلى الشهوة. قيل سمي بذلك لأنه يهوى بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية.

والأماني: جمع أمنية، وهي ما يتخيله الإنسان فيقدر وقوعه من لذائذه وشهواته، وبعبارة أخرى ما يتمناه الإنسان (الأدب النبوي، محمد عبد العزيز الخولي (مرجع سابق ) (ص270).

ما متاع الحياة الدنيا رغم زينتها ومغرايتها في الآخرة إلا قليل، قال تعالى: «وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (العنكبوت 64)، فالعاقل حقيقة من قهر نفسه وأخضعها لحكمة عقله وشريعة ربه، فهو يحاسبها على كل ما تأتي وما تذر، فإن كان خيراً ازداد منه وحمد الله، وإن كان شراً أناب إليه وعاد على نفسه بالقهر والإذلال حتى تسلك الطريق المبين ولا تحيد عنه يمنى أو يسرى وسلوكه بالقيام بالواجب عليه لربه ونفسه وأهله وقومه فذلك ما ينفع لما بعد الموت من بعث وحشر وحساب وتعليم، وعقاب، والحازم من يستعد لهذه الرحلة الطويلة (والأكيدة)، ولذلك اليوم المشهود، ولتلك الدار الباقية بنفس يطهرها، وخلق طيب يتجمل به، وعمل صالح يقدمه «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (الشعراء 88-89)، ذلك الكيس (الناجح) (الذكي) الحاذق، أما العاجز المقصر في الواجب فهو ذلك الذي يأتم بهواه فنفسه أسيرة لشهواته كلما أصابت به لإقتراف فاحشة لبى نداءها، وكلما أخذت به عن سنن الحق سار خلفها غير مبال بما هو سائر إليه «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ» (القصص 50)، أما عقله ودينه فمقهوران لشهواته، فهي صاحبة الأمر تصرفه كما تريد فبحق ذلك هو الأحمق، وإنه ليزيده حمقًا تمنيه على الله الأماني الكاذبه فهو يعلل نفسه بعفو الله ومغفرته وسعة رحمته أو باستدراك ما فاته آخر حياته ولم يدر هذا العاجز أن رحمة الله كتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة، والذين يؤمنون بآيات الله ويتبعون الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولم يدر هذا العاجز أن الموت غائب لا يدري متى يقدم، وأنه قد يباغت الإنسان في ريعان الشباب حيث البنية سليمة والقوة موفورة، فالعاقل يجعل هواه خاضعًا لعقله، ومن وراء إذن ربه، وفي الحديث الصحيح: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به)، والعاقل لا يتمنى من المكافآت إلا ما يتناسب مع عمله الذي قدمه إن كان له عمل، والجنة ثمنها الإيمان بالله والعمل الصالح كما قال تعالى: «وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا» (طه 75)، فمن لاحظ له منها فلا نصيب له فيها ولكن نصيبه في جهنم كما قال تعالى: «إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى» (طه 74).

يقول الشاعر:

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ندمت على التفريط في زمن البذر (الأدب النبوي، محمد عبد العزيز الخولي دار الرائد العربي، بيروت لبنان (د.ط) (ص270) (1988).

والقاعدة الكونية الربانية من زرع حصد، فكن أخي المسلم من الناجحين الأذكياء الناجين الذين يزرعون الخير ليحصدوا الخير والنجاح.  (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٢٨ – السبت ١٨ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ١٣ رمضان ١٤٤٠ هـ