بدراسة أسباب المشكلات التي تقابلنا في الحياة الأسرية والاجتماعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصناعية نجدها محصورة في التخلي عن المسؤولية، من هنا كان النجاح في هذه النواحي المهمة يكمن في قيام كل مسؤول بواجبه فيما هو مسؤول عنه، وقد عالج المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته؛ فكلكم راع ومسؤول عن رعيته) (رواه البخاري ومسلم والترمذي).

– والراعي هو الحافظ المؤتمن وبعبارة أخرى من إليه تدبير الشيء وسياسته وحفظه ورعايته (الأدب النبوي، محمد عبدالعزيز الخولي (ص61 ).

– يا له من حديث جامع مانع في قيام كل فرد بمسؤوليته التي كلف بها من قبل رب العزة والمجتمع، هذا الحديث مفتاح النجاح للفرد والمجتمع والأمة (فما من إنسان إلا وقد وكل إليه أمر يدبره ويرعاه (عدا البلهاء والسفهاء والمرضى والمحجورين)، فكلنا راع وكلنا مطالب بالإحسان فيما استرعاه، ومسؤول عنه أمام من لا تخفى عليه خافية، فإن قام بالواجب الذي عليه لمن تحت يديه كان أثر ذلك في الأمة عظيمًا وحسابه عند الله يسيرًا وثوابه جزيلاً، وإن قصر في الرعاية وخان الأمانة اضر (بالمجتمع) والأمة وعسر على نفسه الحساب (يوم الحساب) وأوجب لها العذاب (المرجع السابق) (ص62).

– فإن رأيت شعبًا آمنا مطمئنًا هادئًا في حياته اليومية، وناجحًا في أداء واجباته اعلم أن خلف هذا الشعب حاكمًا أمينًا مخلصًا محبًا لشعبه وأمته ووطنه قائمًا بشؤون رعيته على قدر طاقته وميزانيته وامكانات شعبه ووطنه (فالإمام راع ومسؤول عن رعيته) وهذه قمة النجاح في الحكم وحفظ الرعية، وإن رأيت أسرة هادئة مطمئنة ناجحة مبدعة متفوقة عزيزة كريمة فاعلم أن وراءها أبا راعيا لأسرته ومهتما بأهله ويخاف الله تعالى في رعيته.

– وإن رأيت متعلمًا مبدعًا ومتفوقًا في دراسته فاعلم أن خلفه معلمًا ناجحًا في تعليمه لطلابه، حريصا على تحصيل العلم في مجال تخصصه والمناهج المنوط به تنفيذها، ويستخدم الأساليب التربوية الفعالة في تنفيذ المناهج وتعليم طلابه.

– وإن رأيت أسرة نظيفة عفيفة مرتبة فاعلم أن خلف هذه الأسرة أمًّا ناجحة تقدر مسؤوليتها الأسرية ومعاونة زوجها وأبناءها في تدبير حياتهم اليومية وتتصرف في حدود ميزانية الأسرة ودخلها وتتجنب الشراء والصرف فوق ميزانية أسرتها فهي أمينة على مال زوجها، وتقدر الأمور وتديرها في براعة ونجاح وخشية الله.

– وإن رأيت خادمًا مطيعًا في المعروف يعمل بإخلاص في مال وبيت وعمل سيده، وجدت عملاً منظمًا ناجحًا في ولاية هذا الخادم المقدر لمسؤوليته الراعي لولايته وما وُكّل إليه من أعمال.

– فكل فرد في الحياة مسؤول عن رعيته، مدير المدرسة الراعي لشؤون مدرسته من إداريين ومعلمين وعمال وطلاب يرعاهم رعاية مباشرة، ويتفقد المدرسة بنفسه، ويبتعد عن المحسوبية والظلم والإدارة بالإنابة والوشاية، هذا المدير تقل في مدرسته المشكلات والأوقات والطاقات المهدرة في تنفيذ المناهج والتربية والتعليم لأجيال مبدعة تكون نواة لعلماء الأمة المخلصين، ولموظفي الأمة الناجحين، وجنود الأمة المضحين في سبيل الله وحماية وطنهم، ومدير المستشفى الناجح هو الذي يدير المستشفى إدارة علمية ويرعاها رعاية أبوية يقدر الأطباء ويعدل بينهم ويحافظ على وحدتهم ومحبتهم ورعايتهم للمرضى والعاملين معه من المهن المساعدة.

– فكلنا راع، وكلنا مسؤول عن رعيته أمام الله تعالى وأمام المسؤولين وكل رئيس مصلحة عامة وخاصة ومسؤول عن مؤسسته ومصلحته والزارع راع في زراعته ومسؤول عن زراعته يرعاها ويخدمها ويحفظها من الآفات، والصانع راع في مصنعه ومسؤول عن تطوير واتقان صناعته، والجندي مسؤول عن رعاية حدود دولته ومستعد للتضحية من أجل القيام بمهمته، وكذلك الشرطي مسؤول عن الأمن الداخلي وهو مسؤول أمام الله والدولة في أداء واجبه في إخلاص وأمانة واتقان، وهذا نجاح يجد المخلص لذته في قلبه ويخلف الله تعالى عليه في أسرته ورعيته.

– فالحديث كما ورد في المرجع السابق (ص65) دعامة كبيرة في (النجاح) في الواجبات والحقوق والإحسان (والإتقان) في الأعمال (والمسؤوليات) والرعاية لما تحت اليد، وإنه ليقرر مسؤولية كل فرد (في الوطن والمجتمع والأمة) فيما وكل إليه من نفوس وأموال ومصالح وأعمال) انتهى.

– وإن قام كل فرد بمسؤوليته وواجبه تقدمت هذه الأمة وقويت ولم يتجرأ عليها العدو والحاقد، وقلّ الفساد واختفت الرشوة والمحسوبية وأصبحنا أقوياء ناجحين في حياتنا الخاصة والعامة. (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٢٦ – الخميس ١٦ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ١١ رمضان ١٤٤٠ هـ