من أراد أن يكون ناجحًا في حياته ناجيا بعد مماته فعليه أن يجعل من نفسه شطءا للخيرين، يتعلم منهم ويقتدي بهم ويتخذهم قدوة حسنة في حياته، وهذا ما فعله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتخذوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فكانوا كالأشطاء المحيطة برسول الله صلى الله عليه وسلم فتمكنوا في فترة وجيزة من فتح القلوب والبلدان بسلوكهم الحسن ودعوتهم الطيبة.

ويعتبر التعليم والتعلم بالقدوة أو الأسوة من أفضل الوسائل التربوية الفعالة والناجحة لذلك أكد القرآن الكريم وأكدت السنة النبوية المطهرة الصحيحة وسيرة الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- وعلماء أمة الإسلام أهمية التربية بالقدوة لفاعليتها وأثرها الدائم في النفوس والسلوك وبناء الشخصية الناجحة السوية القوية.

فالتربية بالقدوة تترجم الكلمات إلى مواقف عملية، وتحول العبارات إلى سلوكيات وأخلاق فتتربى النفوس من خلالها تربية صحيحة ومؤثرة (التربية الوقائية في الإسلام، خليل بن عبداللهابن عبدالرحمن الحدري (ص199) بتصرف).

والقدوة الصالحة هي التي تتخذ الإسلام بمفهومه الشامل منهاجًا وسلوكًا، وتنقسم القدوة الصالحة إلى قسمين:

القدوة المطلقة: وهي الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته.

القدوة المقيدة: وهي القدوة التي تتبع ويقتدى بها في المعروف ليس إلا، ويدخل في هذا النوع الاقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم، والاقتداء بالعلماء الربانيين العاملين والاقتداء بالوالدين الصالحين، والمسلمين الصالحين، والاقتداء بالمعلم الصالح. (المرجع السابق)

القرآن الكريم والتربية بالقدوة:

قال تعالى: «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَ لِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» الفتح (29).

أخرج شطأه:

فراخه المتنوعة في جوانبه.

ما خرج منه وتقرع في شاطئيه أي في جانبيه.

الشجرة أخرجت أغصانها وبراعهما الخضرية.

الشجرة أخرجت أوراقها.

هذا مثل معجز من عالم النبات ضربه الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم (كزرع)، والمسلمون العاملون بما جاء به والمسلمون تسليمًا لحكم الله تعالى ورسوله (شطأه)، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الأصل والقدوة الحسنة المطلقة وأتباعه هم الشطء.

ويمتاز هذا الشطء بالمميزات العلمية التالية:

مطابق للأصل طبق الأصل في الصفات ومراحل النمو والشكل الظاهري والتركيب الداخلي والوظائف الحيوية أي لم يغير أو يبدل عن الزرع.

سريع الإزهار والإثمار والنمو.

لم يغير في أي صفة من صفات الأصل (انظر، عدالة أهل البيت والصحابة بين الآيات القرآنية والتراكيب النباتية معجزة علمية، نظمي خليل أبو العطا موسى).

وقال الله تعالى: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» الأحزاب (21).

ويقول الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله في التفسير المنير: «هذا أمر من الله تعالى بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب وغيره في أقواله وأفعاله وأحواله وصبره ومصابرته ومجاهدته وانتظار الفرج من ربه سبحانه وتعالى» انتهى.

وقال الشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله: «استدل الأصوليون في هذه الآية على الاحتجاج بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وأن الأصل أن أمته أسوته في الأحكام إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به، فالأسوة نوعان: أسوة حسنة وأسوة سيئة، فالأسوة الحسنة في الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن المتأسي به سالك الطريق الموصل إلى كرامة الله، وهو الصراط المستقيم، وأما الأسوة بغيره إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، كقول المشركين حين دعتهم الرسل إلى التأسي بهم «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ» الزخرف (22)، وهذه الأسوة الحسنة إنما يسلكها ويوقف لها من كان يرجو الله واليوم الآخر، فإن ذلك ما معه من الإيمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم» انتهى.

وبهذا أكد الله سبحانه وتعالى أهمية القدوة الحسنة لنجاح المقتدي وبناء الشخصية المسلمة المتبعة لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم والعمل.

ولذلك وضع الله تعالى في شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم الصورة الكاملة للمنهاج والتصور الإسلامي ليكون للأجيال المتعاقبة (الأنموذج) والصورة الحية الباقية في كمال خلقه وشمائل عظمته (تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان (ج2) (ص).

(بناء الشخصية الإسلامية في السيرة النبوية، نظمي خليل أبو العطا موسى (ط1) (ص179) (2013م).

فإن اتخذ المسلم لنفسه قدوة في رسول الله في أفعاله وأقواله وإقراراته، واتخذ من الصالحين العاملين أسوة حسنة في حياته وحياة أبنائه نجح في حياته وأسرته وفاز في الدنيا والآخرة.

(وللحديث بقية بإذن الله)

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٢٥ – الاربعاء ١٥ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ١٠ رمضان ١٤٤٠ هـ