المؤمن الناجح كبستان بربوة دائمًا متفائل، منتج، عطّاء، آمن، مطمئن يحب الناس ويفرح لفرحهم، ويحبه الناس ويفرحون لفرحه، يحب الخير والنجاح للمحيطين به فينشر الحب والنجاح والإنتاج.

إنه كالمنفقين أموالهم في سبيل الله وهم على يقين من ثواب الإنفاق، هؤلاء ينفقون الأموال لإيمانهم، والمؤمن الناجح ينفق ماله، وينشر علمه ويتقن عملة ويبدع فيه، ويلتزم بدينه ولا يبتدع فيه.

– قال تعالى: «وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاة اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» البقرة (265).

– والجنة بربوة: هي البستان بمكان مرتفع من الأرض.

– أُكلها: ثمرها الذي يؤكل.

هذا مثل إنفاق المؤمنين لأموالهم في سبيل الله، فما بالكم بالمؤمن الذي ينفق ماله، وعلمه، وجهده، وبدنه ونفسه في سبيل الله، وهذه الركائز من ركائز النجاح في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة.

– هذا مثل من القرآن الكريم يضرب الله تعالى فيه مثلاً للمؤمنين الناجحين الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وهم على يقين من ثواب الله، فمثلهم كمثل بستان بمرتفع من الأرض أصابه المطر فأعطى ثمارًا تؤكل ضعفين، فلماذا ضرب الله تعالى هذا المثل؟!

أولاً: البستان المرتفع من ناحية التربة الزراعية:

من أجود الأراضي الزراعية في نفس المكان بشرط توافر مياه الري ووصولها إلى مزروعاته.

مرتفع عن مستوى المياه الجوفية التي تحد من عمق الجذور وانتشارها وتضر بالجذر والنبات وتسبب له الأمراض.

صرفه جيد لا تتراكم في تربته الأملاح.

لا يغرق أرضه المطر الشديد ولا يتلف مزروعاته.

ثانيًا: بستان بربوة من ناحية الري:

هذا البستان يروى بالراحة، وبأحدث أساليب الري وهي الرش (الوابل) والفوم (الطل).

إذا زاد المطر فإن نباتات البستان لا تفسد ولا تغرق ولا تموت لارتفاعها عن مستوى الأرض غير المرتفعة.

وذا غاب عنه المطر (الوابل) أصابه (الطل) أي الندى والرذاذ الخفيف، فهذا البستان مرويّ في معظم الحالات الجوية.

ثالثًا: البستان بربوة من ناحية الرياح:

الرياح المحملة بالمياه والمثيرة للسحب الممطرة ترويه (وابل) فتروي مزروعاته بالرش وتصلحها ولا تفسدها.

الرياح المحملة بالندى (فطلّ) ترويه لخفة الطل وحمل الرياح له في مستوى مرتفع يصيب البستان بربوة.

الرياح المحملة بحبوب اللقاح تلقح نباتات البستان هوائية التلقيح وتضاعف إنتاجه.

الرياح المحملة بالأتربة والرمال لا تفسد البستان بربوة، لثقل الرمال والأتربة ووجودها في طبقة سفلى من الرياح، وهذه الرياح لا تدفن البستان لارتفاعه عن مستوى سطح الأرض.

رابعًا: البستان بربوة من ناحية الحرارة:

البستان بربوة درجة حرارته معتدلة فالأماكن المنخفضة ذات حرارة مرتفعة والأماكن العالية ذات حرارة منخفضة، أما البستان بربوة فدرجة حرارته بين الدرجتين في الأماكن المنخفضة والأماكن المرتفعة أي معتدلة مما يساعد نباتات البستان على النمو المتميز.

خامسًا: مميزات مزروعات البستان بربوة:

أزهارها واضحة تراها الحشرات من بعيد فتزورها وتنقل إليها حبوب اللقاح في التلقيح الحشري وتزيد من إنتاجها .

سادسًا: البستان بربوة من جانب الثمار: أجود أنواع الثمار في نفس المنطقة وثماره بعيدة عن الإصابة بفطريات وبكتيريا وفيروسات الأرض المنخفضة قليلة الصرف مرتفعة المحتوى المائي.

سابعًا: البستان بربوة من ناحية الحراسة:

حراسة الأماكن المرتفعة أيسر ومراقبتها أسهل.

– وحتى يحقق المسلم ركائز النجاح في البستان بمرتفع عليه أن يكون مرتفعًا عن المفاسد والضغائن والأمراض، وأن يعمل على مضاعفة عمله وإنتاجه، ويبتعد عن مواطن السوء ورفقاء السوء وأن يعرض نفسه لطاعة الله ورضاه ويتقي الله حيثما كان، ويرتفع عن الأحقاد وأن يراقب الله تعالى في كل أقواله وأفعاله وبذلك يكتب الله تعالى له التوفيق والنجاح، ويرى الله تعالى أعماله الصالحة وإنتاجه المتميز، ويشهد له المؤمنون بالصلاح والإصلاح فيكون أنموذجًا يحتذى لزوجه وأبنائه وأرحامه وجيرانه وزملائه، وتقتدي الأجيال بأعماله وإنتاجه العلمي والاجتماعي الطيب، ويجري عليه ثواب عمله بعد موته، ويرث الجنة بعمله الطيب والمفيد.. من هنا كان المسلم الناجح كالبستان بربوة بمميزاته المتعددة. هذا وبالله التوفيق (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٢٤ – الثلاثاء ١٤ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ٩ رمضان ١٤٤٠ هـ