دعي المرجفون والكافرون أن القران الكريم موضوع من قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم, ولو سلمنا جدلا بما يدعونه فنحن نحتاج إلى مجموعات كبيرة من المختصين لافتراء هذا القران الكريم وإعداده وترتيبه وجمعه وقرآنه ومساعدة هذا النبي على تأليفه.

المجموعة الأولى: مجموعة من المختصين في الأدب العربي والبلاغة والبيان تعكف على وضع الآيات بما فيها من بيان وأدب وإعجاز وبلاغة تتولى صياغة الآيات القرآنية بالوضع الحالي للآيات تضع الآيات القطعية الدلالة والآيات الظنية الدلالة المحتملة للمعاني المتجددة بتجدد الزمان والمكان, ولقد شهد أساطين البلاغة واللغة العربية لهذا الكتاب بالإعجاز, فقال أبو الوليد العربي البليغ عندما سمع هذا القرآن: ان هذا القرآن ليس بكلام شاعر ولا بكلام كاهن ولا بكلام ساحر، والله إن أسفله لمغدق وأعلاه لمثمر وهو يعلو ولا يعلى عليه، شهادة من عربي بليغ.

وعندما أثنى رجل على بلاغة المرأة العربية قالت: أبعد كلام الله وبلاغته بلاغة، أتى في آية واحدة بأمرين ونهيين وبشارتين، فقال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص (7).

وفي سورة النمل قال تعالى: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) النمل (18).

وفي هذا النداء فإن النملة نادت وخصت وأرشدت وحذرت وعينت وعذرت، ومن أمثال ذلك من القرآن الكريم الكثير الذي يحتاج إلى هيئة علمية أدبية تعيد صياغة الآيات وتحريرها والتأكد من بلاغتها المتحدى بها اسمع قول الله تعالى في هذا المثل البياني المعجز (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). النور (35) هذه بلاغة وتصوير بياني يحتاج إلى مختصين في اللغة والصياغة والبلاغة لتكتب وتصوغ هذه الآية العجيبة بما فيها من صور بيانية وتشبيهات بلاغية فريدة.

المجموعة الثانية: وهي مجموعة من الباحثين والعلماء في مجال التربية الاجتماعية لتنظيم الحياة الاجتماعية الواردة في آيات سورة النور، وتنظيم الدخول إلى البيوت وبين سكانها، واللباس الشرعي للمرأة المسلمة وغير ذلك من الآيات المنظمة لحياة الناس الاجتماعية وكذلك باقي آيات البر بالوالدين والأرحام.

المجموعة الثالثة: وهي مجموعة من المختصين في علم الاقتصاد لبيان أحكام كتابة الدين والإشهاد عليه والحضّ على أدائه لأصحابه في أطول آية في القرآن الكريم.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‭{‬282‭}‬ وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ‭{‬283‭}‬) سورة البقرة, وكذلك آيات تحريم الربا, وأكل أموال الناس بالباطل والميراث وحفظ أموال اليتامى وتوزيع الصدقات في مصارفها وغير ذلك من الآيات الواردة في هذا المجال في القرآن الكريم.

المجموعة الرابعة: وهي مجموعة تاريخية عليمة بالتاريخ القديم لتكتب آيات قصص أهل الكهف وذي القرنين وآيات قوم هود، وقوم صالح وقوم لوط، وقصة سيدنا يوسف، وقصص فرعون وقارون وكل ما ورد تاريخيا في الآيات القرآنية وهذا مجال متسع في القرآن الكريم.

المجموعة الخامسة: مجموعة من المختصين في عالم النبات لبيان الفوارق الواردة بين الحب والنوى وإنبات النبات ونموه وإزهاره وإثماره وأهمية اليخضور في إنتاج النار والحبوب وباقي الثمار النباتية ومراحل نمو النبات وازدهاره، وانحداره وشيخوخته واصفراره وتحطيمه.. انظر إلي هذه الآية المعجزة قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الإنعام(99).

هذه الآية تشمل محتوى منهاجا لكليات الزراعة وأقسام النبات في كليات العلوم والتربية تدرس مقررا للمياه ومقررا للإنبات, ومقررا للبناء الضوئي، ومقررا للمحاصيل الزراعية ومقررا للنخيل والأعناب والزيتون والرمان والشكل الظاهري والجمال والثمار والأدلة على القدرة الإلهية والإيمان.

المجموعة السادسة: مجموعة من المختصين في علم الحيوان لبيان التنوع الحيوي في عالم الحيوان وتصنيفه والإنتاج الحيواني, وتربية الخيول والأنعام والنحل ودراسة النمل ولغة الحيوان وغير ذلك من الآيات الواردة عن الحيوان في القرآن الكريم وإنتاج اللبن والجلود والأوبار والأشعار والأصواف.

المجموعة السادسة: مجموعة من المختصين في علوم البيئة لبيان أهمية الإصلاح في الأرض وخطورة الإفساد في البيئة الأرضية كما قال تعالى : (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) الأعراف (85) وقوله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) محمد (22), وقوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم (41), وقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص (77) وهذا سبق علمي سبق القرآن الكريم به كل علماء البيئة في العالم الحديث والقديم.

المجموعة السابعة: مجموعة من علماء الأرض (الجيولوجيا) لبيان أهمية الجبال وتركيبها والمياه ومصادرها ومساراتها وفوائدها, وعلاقتها بالبيئة وبيان أهمية علمائها وتكاملهم مع علماء النبات والحيوان والإنسان. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ‭{‬27‭}‬ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ‭{‬28‭}‬) سورة فاطر.

هذه الآيات تحتاج إلى تعاون وتكامل بين مجموعات علماء المياه والنبات والجيولوجيا والحيوان والعقيدة.

المجموعة الثامنة: مجموعة من الباحثين والعلماء في علم الأجنة والولادة لدراسة حالات الحمل والولادة لبيان مراحل نمو الجنين كما قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ‭{‬13‭}‬ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ‭{‬14‭}‬ سورة المؤمنون.

ولو افترضنا جدلا كما يقول بعض الملحدين ان هذه الآية تبحث في الشكل الظاهري لمراحل نمو الجنين، فهذا البحث يحتاج إلى فريق يتابع الحوامل من النساء، ومن يسقط حملها يأخذوه ويدرسوه ثم يرتبوا مراحل النمو بالكيفية الواردة في الآية لاحتجنا إلى هذه المجموعة العلمية المتابعة والدارسة، وهذا عمل جبار وضخم ودراسة تكون نتيجتها هذه الآية الواضحة والبينة في مراحل نمو ال جنين من الأمشاج المذكرة والمؤنثة والنطف وعلوقها في جدار الرحم ومراحل النمو والتكشف والانفلاق والتكاثر للخلايا كما هو ثابت في العلم الحديث والقرآن الكريم.

المجموعة التاسعة: مجموعة من المختصين في الصياغة وتحرير الكتب والمؤلفات وإخراجها وتنسيقها لإخراج القرآن الكريم بالصورة المبهرة الحالية والتأكد من عدم وجود اختلاف أو تعارض أو ضعف في الصياغة أو التكرار المعيب.

المجموعة العاشرة: مجموعة الإشراف العام والمتابعة والتنسيق بين المجموعات السابقة والتأكد من سير العمل وفق النظام العام الموضوع لإتمام العمل بالشكل المعجز الحالي والمخطط له سلفا من قبل المختصين في هذا المجال.

وهكذا إن أراد بشر أن يأتي بهذا القرآن على الوضع الذي هو عليه حاليا فعليه تكوين العديد من المجموعات والهيئات العلمية التخصصية ذات المستوى العالي والرفيع في التخصصات المطلوبة، ونحتاج إلى لجان للاختيار للمختصين, فهل يعقل أن يأتي رجل أمّي بدوي في بيئة منعزلة وقاحلة وبعيدة عن المدنية ليفتري هذا الكتاب الذي يتحدى به العالم في كل تخصص وكل زمان ومكان أن يأتوا بسورة من مثله.

انه كتاب من الخالق القادر العليم الخبير القوي الجبار المهيمن الذي أنزله بعلمه وعلمه لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعله المعجزة العلمية المادية الباقية لخاتم النبيين والمرسلين منه سبحانه وتعالى للبشرية جمعاء وهذا إعجاز ما بعده إعجاز.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٤٥٦٧ – الجمعة ٩ فبراير ٢٠١٨ م، الموافق ٢٣ جمادى الأول ١٤٣٩ هـ