من يقرأ مقالات وأعمدة الرأي في صحفنا العربية ويتابع مناقشاتهم على القنوات الفضائية , يجد أن فئة من العرب نصبت نفسها أوصياء على العرب، فهم الفاهمون الواعون التقدميون القابضون على مفاتح الحقيقة والديمقراطيون ,

والباقي لا يفهمون في السياسة، غير ديمقراطيين سطحيون هم سبب كل تخلف، وأنا اسألهم متى مارستم الديمقراطية؟ وكم بحثا علميا نافعا أنتجتم للأمة العربية؟ وأين تعلمتم ما لم يتعلمه جيرانكم وإخوانكم وأقرانكم في الوطن؟   وماذا قدمتم من إجراءات عملية ميدانية لأمتنا العربية لخروجها من تخلفها العلمي والتقني؟   وماذا تفهمون في العلوم الكونية الأساسية التي تقام عليها حضارة الأمم الغربية المتقدمة تقنيا؟ ولماذا تهربون من المسئولية وتتهمون الآخرين بأنهم سبب تخلفنا وتضللونهم؟

احد هؤلاء الكتاب العرب يكتب عن الخريطة الوراثية كأنه أحد أساتذة علمي الخلية والوراثة، ويعير شيخا بأنه لا يفهم في العلوم الجينية، وإذا اطلعت على كتابات هذا العربي تأكد لك أنه لا يفهم في الوراثة ولم يدرس الخلية ويعيش في عالم من الكتابات البعيدة كل البعد عن الواقع أو العاملة على رفعة الأمة علميا.

وقد قام الأستاذ عبدالرحمن أحمد عثمان يوم الجمعة 4/6/2010 في صفحة قضايا وآراء بأخبار الخليج بتجسيد ذلك بكتابة مقال بعنوان “العالم أحمد زويل ودعوته الحضارية لعالم متخلف”، وبعد بيان الكاتب جوانب التخلف بدأ إلى التشخيص لهذا التخلف فتوصل إلى أن من الأسباب الرئيسة الأنظمة الإعلامية (أنشطة وفعالية قوى تيار الإسلام السياسي التي فتحت المجالات أمامها واسعة من خلال ترتيب المقابلات وتنظيم اللقاءات والمناظرات ومختلف البرامج الدينية ومن ثم الترويج لخطابها الديني) انتهى.

الكاتب يرجع سبب تخلف العرب العلمي إلى الحوارات الدينية وأنشطة وفعاليات قوى التيار السياسي الإسلامي، ونسي هذا الكاتب أن العَلمانيين (بفتح العين) والشيوعيين والمستغربين العرب امتلكوا وسائل الإعلام العربية أكثر من مائة عام ولم يحققوا للأمة العربية سوى الخطابات الديماغوجية والكتابات الإلحادية، والفتنة الاجتماعية، وأنهم تملكوا التعليم في الوطن العربي من أيام الحملة الفرنسية وكانت النتيجة الاهتمام بالعلوم الخادمة والخطابة والشعر وإهمال العلوم الكونية والدينية فوصلنا إلى الحالة التي أصبح المتعلم العربي فيها لا يشارك مشاركة فعلية في النهضة التقنية للأمة العربية، وأصبح الخريجون في الجامعات بالملايين والمشاركون منهم في النهضة العلمية لا يذكرون,  وتحول التعليم للوظائف الحكومية ولحمل الشهادات الورقية ووصل الحال إلى بيع أعلى الشهادات العلمية (الدكتوراه) في مكاتب الجامعات الخاصة غير الأخلاقية في البلاد العربية.

وتملك العلمانيون (بفتح العين) والشيوعيون والمستغربون وسائط الثقافة في الوطن مدة سبعين عاما على الأقل علا فيها نجم الراقصين والراقصات والمغنين والمغنيات والقصاصين والقصاصات ومسلسلات وكتب حكايات ألف ليلة وليلة والفوازير الرمضانية الراقصة وتمثيليات رية وسكينة وخفت فيها نجم العلماء والباحثين العلميين والمعلمين والمربين وعلماء الدين وتم الاستهزاء بالعلماء وصوروا في صورة قبيحة هزلية كما قال احد الممثلين في مشهد هزلي عن العلماء (عقلية علمية معملية فذة)، وقال احدهم: (العلم لا يكيل بالباذنجان)، وقال آخر: (هذا أخي الذي فشل في العائلة وحصل على الدكتوراه).

   إن ما يكتبه العَلمانيون والشيوعيون عن اتهام الآخرين بأنهم سبب تخلف الأمة فيه تضليل للأمة وهروب من المسئولية الكبرى.

وقد أشاد الأستاذ عبدالرحمن احمد عثمان في نهاية مقاله بكتابات نصر حامد أبوزيد واعتباره أن الخطاب الديني مثل الغطاء الأيديولوجي للأنظمة الرجعية، وهذا أيضا من التضليل فكتابات العَلمانيين (بفتح العين) والشيوعيين والاشتراكيين والماركسيين وأناشيدهم وأغانيهم للحكام الجدد في الوطن العربي ومن قادوا سنين طويلة مثلت تلك الأنشطة غطاء اجتماعيا تضليليا أدت بنا إلى التخلف العلمي والوهم الغنائي والتخلف الواقعي والتقدم الوهمي والنصر الغائب الذي عشنا فيه سنين طويلة حتى ضاعت أغنى وأقوى الدول العربية.

إذا أردنا الخروج من قمقم التخلف التقني والعلمي فعلينا أن نشخص حالتنا بعلمية وحيادية وان نضع الحلول العلمية الميدانية البعيدة عن الصراع العقدي والصراع الثقافي وتخدير الجماهير وتأجيج الصراع الطبقي والطائفي ، وتقسيم العرب إلى تقدميين ومتخلفين ورجعيين ودكتاتوريين كما يقول نصر حامد أبوزيد، وكما ورد في مقال الأستاذ عبدالرحمن أحمد عثمان (إن الخطاب الديني يمثل الغطاء الأيديولوجي للأنظمة الدكتاتورية الرجعية وتكريس أشد الأنظمة الاجتماعية والسياسية رجعية وتخلفا) انتهى.

وبالتحليل العلمي الميداني نجد أن الأنظمة التي ادعت أنها أنظمة تقدمية في الوطن العربي هي التي جرت شعوبها نحو الجوع والمرض والتخلف والتشتت ولم تجد شعوبهم لقمة عيشهم وأمنهم إلا في الديار التي ظلوا أعواما طويلة يلقبونها بالرجعية والتخلفية والظلامية.

على العَلمانيين (بفتح العين) العرب والشيوعيين العرب أن يخرجوا من كهوفهم وبيوت العنكبوت التي بنوها سنين طويلة وان يغيروا خطابهم التحريضي الشيوعي الإلحادي التخديري إلى خطاب علمي أخلاقي متناغم مع التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اجتاحت البلاد العربية.

الأستاذ عبدالرحمن أحمد عثمان ينعى حالة التشرذم القُطري الحادث في الوطن العربي ونسي أن التقدميين والشيوعيين والعَلمانيين العرب هم من قادوا الحملة لتفتيت الأمة العربية والإسلامية.

انتم الذين أكدتم الدولة القطرية ومازلتم تؤكدونها، وكنتم ضد الأمة الواحدة والولايات المتحدة العربية تحت قيادة موحدة، واعتبرتم القيادة الموحدة للعرب والمسلمين استعمارا، وللأسف فقد قطعتم حبل الوحدة وبعثرتم جماناتها ولم تستطيعوا الحفاظ عليها أو عودتها إلى حبلها المتين.

على العَلمانيين (بفتح العين) العرب والشيوعيين العرب الكف عن لغة التعالي والفوقية والوصاية على عقل الأمة ومصير الأمة.

وعلى شيوخ الدين أيضا الكف عن الوصاية الدينية على مقدرات الأمة ومصير الأمة وان يخرجوا من شرنقة المصمومات والمحفوظات والفتاوى البعيدة عن فهم الواقع وفقه الواقع وفتاوى السلاطين , وليتعلموا من الإمام الشافعي رحمه الله عندما غير فتواه وأنشأ المذهب الشافعي الجديد بانتقاله إلى مصر حيث وجد الواقع مغايرا للعراق واليمن.

على رجال العلوم الشرعية الاهتمام بتعليم وتعلم العلوم الكونية في المعاهد الشرعية والبعد عن تخدير الجماهير وإشاعة الفتن الطائفية والتنازع والفشل باسم الدين وعلماء الدين.
لا وصاية على الأمة من الشيوعيين والعلمانيين والإلحاديين وشيوخ الدين والمخدرين للشعوب باسم الصراع الطبقي أو الصراع الطائفي والمذهبي , فمتى نتعلم ذلك ونكف عن تضليل الأمة والهروب من الواقع والمسئولية؟

وكتب الأستاذ عبدالرحمن أحمد عثمان يوم الجمعة 11/6/2010 بأخبار الخليج مقالا بعنوان: نحو تشكيل ميثاق شرف للمترشحين إلى الانتخابات، شن فيه هجوما كاسحا على المترشحين المسلمين لا يتسع المقام الآن للرد عليه ولكن المقال حوى عبارة واحدة تعبر عن مكنون نفسه المعادي للإسلام، فقال: (مثلما سيحد (أي ميثاق الشرف) من غلواء أجندة الخطاب الديني للمترشحين الإسلاميين ويقيد تلك الإنفلاتات الطائفية و الإصطفافات المذهبية وتعجرف السلوكات الإسلامية والخارجين أصحابها عن قواعد وسلوك الأخلاقيات السوية وعن نظام القيم المثالية) انتهى.

في هذه الفقرة جعل الكاتب السلوكات الإسلامية متنافية مع سلوك الأخلاقيات السوية ونظم القيم المثالية ويعني بها بالطبع السلوكات غير الإسلامية من سلوكات عَلمانية وشيوعية ومادية وليبرالية غربية فهل هذا يليق بالمسلمين؟ وبأحد من أبناء المسلمين؟

علينا أن نفرق بين علماء الدين ورجال الدين , علماء الدين يقودون الأمة نحو التقدم الأخلاقي وفقه الوسطية والبعد عن الخلافات والفتن الطائفية , أما رجال الدين فهم اللذين يحكمون باسم التفويض الإلهي وولاية الفقيه على الأمة وتخدير الشباب ودفعهم دفعا إلى الفتن الطائفية والمذهبية وتصدير الثورة المذهبية والتطهير العرقي والمذهبي والتي تصل إلى حد قتل المخالفين لهم في الشوارع والمدارس والجامعات والميادين العامة كما يحدث في لبنان والبحرين والعراق .

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج مع الصائمين – العدد (11848) – الثلاثاء 31 أغسطس 2010م – 21 رمضان 1431هـ