في  جولة علمية في أحد الأسواق المركزية لبيع الخضراوات والثمار، نجد العجب العجاب في الأجناس والأنواع والأصناف والأشكال والأحجام والطعوم حيث الأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر والبني والمخطط والصغير والكبير والأملس والخشن ورقيق الجدار وصلب الجدار،

والأجمل من رؤيتها في السوق أن ترى تلك الثمار على أشجارها متدلية جميلة معجزة، لذلك أمرنا الله تعالى بتدبر تلك الثمار والنظر إليها نظرة إيمانية علمية فاحصة مدققة متدبرة، نظرة بعيدة عن النظرة الحيوانية المادية لتلك الثمار النباتية قال تعالى: ” وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{99}” (الأنعام/99).
الثمر كما قال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن: اسم لكل ما يتطعم من أحمال الشجر، الواحدة ثمرة والجمع: ثمار وثمرات، كقوله تعالى: ” وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ” (البقرة/22)، وقوله تعالى: “وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ” (النحل/67)، وقوله: ” انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ” (الأنعام/ 99)، وقوله تعالى ” وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ” الرعد (3) . وقال: والثمر قيل: هو الثمار، وقيل: هو جمعه ويكنى عنه بالمال المستفاد، انتهى.
والثمرة في علم النبات: هي التركيب الناتج عن نمو الكيس الجنيني في الزهرة وتضخم المبيض بعد عملية الإخصاب، وقد يشترك التخت في تكوين الثمر كما في نبات التفاح Pyrus malas (النبات العام، أحمد مجاهد وآخرون، ص 627).
والمعلوم أن الزهرة عادة تتكون من المحيطات غير الأساسية التي لا تشترك اشتراكا مباشرا في عمليتي التلقيح والإخصاب مثل الكأس والتويج , والمحيطات الأساسية التي تشترك في عملية التلقيح والإخصاب وهما أعضاء التذكير وما تنتجه من حبوب لقاح وأعضاء التأنيث وما تحتوي عليه من بويضات مؤنثة. ويتكون عضو التأنيث في الزهرة من المبيض (Ovary) بداخله البويضات المؤنثة والقلم (Style) والمتاع (Stigma).ويتكون عضو التذكير في الزهرة من الخيط والمتك (Anther).
عندما تسقط حبوب اللقاح الناتجة من متك عضو التذكير على الميسم للنبات الموافق فإن حبة اللقاح تنبت وتعطي أنبوب لقاح يدخل إلى المبيض عبر القلم ويتم التخصيب للبويضات.
بعد إتمام عملية الإخصاب يبدأ المبيض في تكوين البذور والحبوب والثمار التي تحمل داخلها الصفات الوراثية الخليطة للنبات والناتجة من الجزيئات الوراثية في حبوب اللقاح و المبيض.
وبذلك تتكون الثمار التي قال الله تعالى فيها ” انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ” (الأنعام/ 99)، وبعد النمو للجنين الناتج من عملية الإخصاب واشتراك بعض أجزاء المبيض الأخرى تتكون الثمار الجميلة المتباينة الأشكال والألوان والأحجام والطعوم والروائح والتركيب.
ووظيفة الثمرة المحافظة على البذور بداخلها ومدها بالغذاء حتى يكتمل نموها، ثم مساعدتها على الانتثار والانتشار، والثمرة عضو ثابت لذلك تستخدم الثمار في التمييز القطعي بين الأجناس والأنواع والأصناف، والفصائل النباتية في عملية التصنيف (النباتات الزهرية، شكري سعد، دار الفكر العربي، ص154).

ثمار نبات أبي المكارم المجنحة

 

بذور نباتية جافة

وقسم علماء النبات الثمار النباتية إلى عدة أقسام وأنواع فمنها:
الثمار البسيطة (Simple Fruits): وهي الثمار الناتجة من نضج كربلة واحدة أو عدد من الكرابل الملتحمة مثل ثمار البسلة والطماطم (الكربلة هي عضو التأنيث المكون من أوراق متحورة لعمل عضو التأنيث).
والثمار المركبة (Composite Fruits): وهي الثمار الناتجة من نضج عدد من الأزهار المتجمعة في نورة مثل ثمار نباتات التوت والفراولة والقشطة.
وقسم العلماء الثمار البسيطة إلى نوعين هما الثمار البسيطة الجافة (Dry Fruits) والثمار البسيطة الغضة (Fleshy Fruits) .
وتضم الثمار الجافة العديد من الثمار المنفتحة وغير المنفتحة منها:
البندقة: (Nut): وهي ثمرة جافة تحتوي على بذرة واحدة، ولها غلاف خشبي ومنها ثمار البندق والبلوط وأبوفروة (الكاستناء).
البرة (Caryopsis): وفيها يلتحم الجدار الثمري بقصرة البذرة مكونا جدارا واحدا كالقمح والشعير والذرة.
الجناحية: (Samara): تتركب من كربلة واحدة يمتد غلافها الثمري على هيئة الأجنحة للطيران بها بعيدا عن الشجرة الأم سعيا للرزق والعيش الوفير ومثلها ثمار نبات أبي المكارم Machaerium tipo.
القرنية (Legume): تتكون من كربة واحدة بها عدد من البذور تتفتح طوليا على امتداد خط الثمرة كما هو الحال في نباتي الفول والفاصوليا، وقد لا تنفتح الثمرة كما هو الحال في ثمار نبات التمر الهندي.
العلبة (Capsule): تتكون من عدد من الكرابل الملتحمة تتفتح أما بالثقوب كما هو الحال في نبات الخشخاش، وإما تنفتح بالأسنان كالقرنفل.
وهناك الثمار الغضة (Fleashy Fruits): وفيها يكون الغلاف الثمري أو جزء منه عصيريا شحميا ويتميز جدارها إلى ثلاثة أغلفة الخارجي والمتوسط والشحمي ومنها ثمار المشمش والرمان والقرع والخيار والبلح والعنب والطماطم والبرتقال والموز.

ثمار الطماطم متباينة الألوان والأحجام والأشكال

وتوجد الثمار المركبة(Composite Fruits): وهي تتكون من عدد من الثمار الناتجة عن عدد من الأزهار المتجمعة مثل التوت والأناناس والتين.
وهناك الثمار الكاذبة (Psudocarps): وهي ثمار يدخل في تركيبها أجزاء أخرى غير المبيض كالتخت والكأس والقلم وهي تعطي أجمل الثمار كالتفاح والشليك (الفراولة) والتوت والتين.
تحوي الثمار عددا وفيرا من البذور، وتحمل الشجرة الواحدة عددا كبيرا من الثمار وإذا سقطت هذه الثمار وما بها من بذور أسفل الشجرة الأم أو قريبا منها فإنها تتنافس على نفس النوع من الغذاء في التربة وتهلك، وبذلك يصبح التنافس شديدا بينها، ولكن الله سبحانه وتعالى الذي خلق هذه الثمرات وما بداخلها من بذور وأجنة لم يتركها هملا بل هيأ لها العديد من الآليات والوسائل للانتشار والانتثار في أرض الله الواسعة بحثا عن الرزق المقدر لها كما قال تعالى: ” قال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ” (طه/50) أي أعطى كل مخلوق هيئته المناسبة لحياته ثم هداه لما يصلح عليه هذه الحياة.
ومن وسائل الانتثار والانتشار في الثمار: الرياح التي تحملها بأجنحتها إلى مكان بعيد وجعل لبعضها “براشوتات” متوازنة تحمل الثمرة لعشرات الكيلومترات كما هو الحال في نباتي أبي المكارم والجعضيض .وفي نبات كف مريم  Auastatica، وهو نبات صحراوي يحمل أفرعا تحمي الثمار، وفي الجو الجاف تنحني الأفرع نحو الداخل ويتكور النبات كالكرة، التي تحملها الرياح وتدحرجها إلى مسافات بعيدة وأثناء هذا التدحرج تتفتح الثمار وتنتشر منها البذور وتتوزع على طول الطريق ( النباتات الزهرية , شكري سعد, (مرجع سابق) (ص170) ).
وبعض الثمار والبذور مغطاة بالألياف الزغبية المساعدة على حمل الثمار والبذور بعيدا كما هو الحال في بذور نبات القطن وثمار نبات الجعضيض.
كما أن لبعض الثمار خطاطيف تتعلق بها في أوبار وأشعار وأصواف الحيوانات وملابس العمال كما هو الحال في نبات الشبيط Xanthiun والبرسيم الحجازي Medicago.
وبعض الثمار لها جدار يقاوم العصارة المعدية والمعوية للحيوانات التي تتغذى عليها فتمر عبر القناة الهضمية للحيوان من دون موت الجنين وتسقط مع كتلة من فضلاته السمادية الطرية حيث تنبت وتعطي البادرة في المكان البعيد الذي أخرج فيه الحيوان هذه البذور والثمار مع فضلاته.
ويقوم الإنسان بنقل الثمار والبذور عبر الحدود وبزرعها، ورعايتها ويستغل فوائدها لصالحه.
وللثمار فوائد عديدة فهي غذاء بها المواد السكرية والدهنية والبروتينية والفيتامينات والأملاح والمعادن والهرمونات، وهي دواء للعديد من الأمراض لاحتوائها على الفيتامينات والمعادن والأملاح والألياف والدواء.
ويصنع الإنسان غذاءه الأساسي من حبوب القمح والشعير والأرز والذرة والشوفان وبعض الدرنات والجذور والسيقان ومن دون تلك الثمار يموت الإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة وتهلك بالمجاعة.
وينسج الإنسان ألياف بعض الثمار كالقطن ويصنع منها الملابس.
ويستخدم أوعيتها الخارجية الصلبة في تخزين الغذاء وتخميره ويعجن فيها العجين.
ومن الثمار يستخرج الإنسان السكريات والكحوليات والأحماض العضوية بالكائنات الحية الدقيقة وسبحان القائل: ” وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{99} ” (الأنعام/99).