جاء الإسلام والعرب متفرقون متناحرون متقاتلون تجمعهم العصبية الجاهلية، وتفرقهم المصالح القبلية الضيقة وكان المبدأ الجاهلي “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”،

وقامت الحروب من أجل ناقة (حرب البسوس)، ومن أجل سباق الخيل (داحس والغبراء)، وقامت الحروب بين الأوس والخزرج، وقد حاول شأس بن قيس اليهودي تأجيج الفتنة بينهم بعد الإسلام فخرج إليهم نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر وألّف بين قلوبكم؟

فعرف القوم أنها عودة للجاهلية وكيد من عدوهم شأس بن قيس وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سامعين مطيعين وقد أطفأ الله كيد عدوهم وعدو الله شأس بن قيس اليهودي الحاقد وأنزل الله تعالى قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ{100} وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{101}” (آل عمران/100 – 101).

وفي الآيات السابقات يعلمنا الله تعالى دروسا في الحفاظ على الأخوة الإيمانية، فبعض أهل الكتاب وليس كلهم (فريقا من الذين أوتوا الكتاب) يخططون للمسلمين لكي يفرقوهم عن وحدتهم ويردوهم عن دينهم والعصمة من هذا إتباع آيات الله في الأخوة الوطنية والوحدة الوطنية والتمسك بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (وفيكم رسوله) والصراط المستقيم هو الاعتصام بالله، أما تلك الدعاوى الشيطانية التي تفرقنا إلى مذاهب متناحرة وطوائف متقاتلة ونصرة القاتل والمخرب والمفسد لأنه من طائفتنا فهذا ليس من دين الله بشيء وهذا شيء ممقوت وأشد مقتا أن يأتي ممن يقودون الناس بالدين ويسخرون الدين للفتنة والطائفية والمذهبية فقد رأينا قيادات دينية تدعو إلى الفتنة والاحتراب بين المسلمين في الوطن الواحد وهؤلاء يقومون بدور شأس بن قيس نفسه بتأجيج الجاهلية والفتن الطائفية والمذهبية والعصبية الجاهلية.

الاختلاف المذهبي والديني والطائفي سُنة من سُنن الله سبحانه وتعالى في الخلق إما تحويل الخلافات الفقهية والمذهبية والطائفية إلى فتن وشقاق وتنازع فهذا حتما يؤدي إلى الفشل، قال تعالى: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{46}” (الأنفال/46).

فطاعة الله ورسوله هي الأصل والتنازع والفشل هما الماحقة تمحق الدين والدولة والقوة وهذه الطاعة تحتاج إلى صبر، صبر على إغراءات أصحاب المصالح الدنيوية، وصبر على الأخوة الإسلامية ومن فعل ذلك كان الله معه، ومن كان الله معه وفقه لما يحب ويرضى، وعلينا الاتعاظ بما حدث بين زعماء الطوائف في الأندلس عندما حولوا الخلاف إلى تنازع وفشل فضاعت دولة الإسلام في الأندلس وانتهت وخرج حكامها وفقهاؤها ومن معهم ممن لم يردعوا الفتنة خرجوا أذلة باكين كالجبناء على أملاك لم يحافظوا عليها كالمخلصين لدينهم.

عندما شاهد شأس بن قيس وحدة المسلمين من المهاجرين والأنصار قال قولته الخبيثة: “لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤها من قرار“.

وقد كان مبدأ التآخي العام بين المسلمين قائما منذ بداية الدعوة في عهدها المكي ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كل ما يؤدي إلى التباغض والتحاسد والتنازع والفشل بين المسلمين، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام” (رواه البخاري).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى” (رواه البخاري ومسلم بعبارات مختلفة).

وقد ساهم نظام الأخوة الإسلامية في ربط الأمة بعضها ببعض وأقام (صلى الله عليه وآله وسلم) الصلة بين المسلمين على أساس الإخاء الكامل، هذا الإخاء الذي تذوب فيه عصبيات الجاهلية فلا حمية عصبية ولكن أخوة إسلامية وان تسقط فوارق النسب واللون، وقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الأخوة عقدا نافذا لا لفظا فارغا وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال (فقه السيرة، محمد الغزالي/ص 193).

والسبب الرئيس في الأخوة الإسلامية أن الصحابة رضوان الله عليهم وأهل البيت الكرام تمسكوا بالأخوة الإسلامية والدين بصدق وإتباع من دون ابتداع وتغيير وأهواء فقال الله تعالى عنهم: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً{23} لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً{24}” (الأحزاب/23 – 24).

الصدق سمة المؤمنين والكذب صفة المنافقين والإتباع صفة المؤمنين والابتداع صفة الفاسقين والثبات على الحق صفة المؤمنين والبعد عن الحق صفة المنافقين والكافرين.

إن الذين يفرقون المسلمين ويزرعون الفتنة بينهم ويؤججون الخلافات المذهبية والطائفية والدينية والعرقية هم دعاة الجاهلية وذهاب قوة المسلمين ومنعتهم والعودة بهم إلى الفتن الجاهلية.

والذين يجمعون المسلمين ويزرعون الحب والإخاء بينهم ويبعدونهم عن الخلافات المذهبية والطائفية والدينية والعرقية هم دعاة الأخوة الإسلامية وتثبيت قوة المسلمين.

المصدر: تعايش وطني بلا فتن طائفية ومذهبية سبيل للوحدة الإنسانية، نظمي خليل أبوالعطا موسى (ص 5).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد( 12103) – الموافق 13-5-2011م – 10 جمادى الآخرة 1432هـ .