نحن أمة حباها الخالق سبحانه وتعال بنعمه ظاهرة وباطنة، ويكفي أنه سبحانه وتعالى أنعم علينا بالرسالة الإلهية الخاتمة للبشرية، وقد سبق لهذه الأمة أن حملت رسالة ربها من المدينة المنورة وأوصلتها إلى مشارق الأرض ومغاربها فوصلنا بدعوة ربنا سبحانه وتعالى إلى جنوب فرنسا وجنوب المجر وجنوب اليمن والصين والهند وإندونيسيا وأرسل حكام الغرب إلى الحكام المسلمين رسائل مختومة بقولهم: خادمكم المطيع.

وقد مَنَّ الخالق سبحانه وتعالى علينا بالمعجزة الإلهية الباقية إلى يوم الدين وأنعم علينا بموقع جغرافي متميز يتحكم في بحار العالم وطرقه الاستراتيجية، ووهبنا الله سبحانه وتعالى القوة البشرية الفتية والثروات الاقتصادية الوفيرة والمتنوعة مع المنهاج الخلقي العظيم والواضح والميسر والعقيدة الصحيحة، كل هذه النعم مَنَّ الله سبحانه وتعالى علينا بها، لذلك فنحن نستطيع أن نتبوأ المكانة السياسية والاقتصادية والثقافية والخلقية والتربوية العالية والمتميزة.

نحن نستطيع أن نكون قوة سياسية مؤثرة في الأحداث العالمية ونجلس في مجلس الأمن العالمي على قدم المساواة مع الدول الخمس العظمى نحن نستطيع ذلك ولكننا لم نفعل ذلك بسبب تربية الوهن والمذلة والضعف والفرقة التي وضعنا عدونا فيها وارتضينا بهذا الوضع السياسي المهين والمشين الذي نحن فيه، ولا يتصور أصحاب الرأي والمتنفذون فينا أننا نستطيع أن نخرج من القمقم الذي حبسنا فيه منذ أن وافقنا على إسقاط الخلافة الإسلامية رمز وحدتنا وحبل الله الذي يربطنا لتكون لنا دولة واحدة عظمى، الولايات المتحدة الإسلامية أو العربية، تقف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمارد الصيني واليابان وروسيا.

نحن نستطيع ذلك ولكننا أُصبنا بالوهن ورضينا بالمذلة والمسكنة، والعجيب أن نخبنا الفكرية والثقافية والتربوية تقف بشدة ضد هذه القوة السياسية العربية، وتؤكد كل يوم على أن الحل لأزمتنا السياسية هو السير في ذيل الدول العظمى التي تتربص بنا الدوائر وتعمل مجتمعة على اضعافنا وإذلالنا وتمزيق وحدتنا، نحن نستطيع أن نكون قوة سياسية عالمية فلماذا لا نفعل ذلك؟!

نحن نستطيع أن نستغل نعم الله علينا لنكون قوة زراعية كبرى قادرة على إنتاج ما يفيض على حاجتها من الغذاء بما أنعم الله علينا بالأرض الزراعية في السودان والصومال ومصر وشمال إفريقيا والشام والجزيرة العربية وسلطنة عمان واليمن وإن اتحدنا مع المسلمين في العالم تنوعت منتجاتنا الزراعية وامتلكنا قوتنا وكفايتنا من الغذاء والدواء واللباس ولكن لماذا لا نصنع ذلك ونتخلص من الحدود الاستعمارية التي ضربها العدو حولنا من كل مكان؟!!!

نحن نستطيع أن نقوم بعملية تربية وتعليم لأبنائنا لنستثمر طاقاتهم العقلية والعلمية والبحثية لنكون قوة قادرة على إعداد مناهجها الدراسية الفعالة والإبداعية والبانية للأجيال القوية والحامية لقدراتنا العقلية العليا، نحن نستطيع أن نغير النظام التعليمي العربي الفاشل والبليد الذي فرضه علينا المعتمد البريطاني دنلوب منذ مئات السنين وأصبح التعليم عندنا للبلادة والحفظ والمتون والتكرار، وأهملنا الدراسة العملية في مدارس التعليم العام، وأغلقنا المختبرات، وعطلنا مراكز البحوث العلمية وأغلقت كليات العلوم أقسامها المهمة، وذهبنا إلى علوم التسويق والفندقة والآداب والمحاماة وكل العلوم الخادمة للعلوم التطبيقية البانية للحضارة العلمية.

نحن نستطيع أن نغير نظامنا التعليمي البليد والفاشل بنظام تعليمي فعّال ومحرك للحياة في ديارنا ولكن لماذا لا نفعل ذلك؟!! ولماذا يصر المسؤولون عندنا على إلغاء الدراسة العملية الميدانية وتحويلها إلى دراسة عملية خيالية وافتراضية على الحاسوب مشابهة لألعاب الأطفال الإلكترونية؟!!

نحن قادرون على أن نكون قوة عسكرية قوية تستغني عن حماية الدول الغربية وتردع كل من تسوّل له نفسه الاعتداء علينا ونصنع سلاحنا ونجند أبناءنا لحماية البلاد والأرواح والأعراض والممتلكات.
نحن قادرون على ذلك ولكننا لا نفعل ورضينا بالحماية الغربية والأسلحة المستوردة والتكتيكات العسكرية المستوردة من مخازن الأعداء البالية والقديمة؟!!

نحن قادرون على أن نكون قوة اقتصادية مؤثرة في الاقتصاد العالمي، ولكننا لا نفعل ذلك ورضينا بالتبعية الاقتصادية وإيداع الأموال العربية في ديار العدو ورهن إرادته، وصدرنا الخامات من ديارنا بأبخس الأثمان ثم استوردناها مصنعة بأغلى الأثمان.

نحن قادرون على أن نكون القوة الخلقية والروحية التي تنقذ العالم من التغول المادي والخواء الروحي والتيه والفساد العقائدي فننقذ البشرية من الإلحاد وعبادة الشيطان والأوثان والأبقار والظواهر الكونية وننقذ الضالين ونأخذ بيد التائهين، وكما قال ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس: (الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد لعبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه). نحن قادرون على إخراج العباد من عبادة الأوثان والأبقار والفئران والأشجار والنار والشمس والقمر والشيطان ومن ظلمات الكفر والعصيان إلى نور الحق والإيمان. البشرية الآن تتطلع إلى من ينقذها من تغول المادية على النفس البشرية ونحن قادرون على ذلك، ولكن مع الأسف نحن لا نفعل ذلك لأننا حبسنا العبادة في الشعائر، وأخرجنا العمل وإتقانه والإبداع العلمي من دائرة العبادة واكتفينا بالشكليات في الدين وصرفنا طاقتنا نحو سفاسف الأمور وأهملنا عظائمها وحولنا الدين من السلوك إلى التسابيح على المسابح مليونية الحبات، واستخدمنا العدادات لنحسب كم حصلنا من الحسنات بالتسبيح، وتركنا الصناعة والزراعة وتعمير الكون بنواميس الله في الخلق وبنعم الله علينا في البر والبحر والجو وفي الحيوان والنبات والإنسان والكائنات الحية الدقيقة. نحن قادرون على قيادة شباب العالم نحو الراحة النفسية ولكن لم نفعل ذلك وتركناهم لشياطين الإنس والجن تستأصل شأفتهم وتقطع دابرهم وترمي بهم في متاهات الشرك والكفران والانتحار الجماعي وتسعير الشهوات والشذوذ في إشباع الرغبات.

نحن قادرون على العودة إلى قمرة قيادة البشرية للسعادة الدنيوية وتعمير الكون بما يرضي الله سبحانه وتعالى وننقذ العباد من ظلمة الإلحاد مع الفوز بالحياة الأخروية الهنيئة في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

لقد حملنا الله سبحانه وتعالى الأمانة وأنزل علينا المنهاج الحق وأنعم علينا بالمعجزة الباقية والعلمية والعقلية البعيدة عن الخرافات والضلال وتكرّم علينا بحفظ القرآن ووعدنا بذلك ولكن للأسف نجح شياطين الإنس والجن في صرفنا عن حفظ الأمانة والعمل بمنهاج الله فحرمنا السعادة في الدنيا وتخلفنا عن ركب الحضارة الذي قدناه لسنوات طويلة عندما علمنا أننا قادرون على ذلك وصممنا على فعل ذلك، وفعلنا ذلك.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٩٣٠ – الجمعة ١٣ مايو ٢٠١٦ م، الموافق ٦ شعبان ١٤٣٧ هـ