عندما يقول الخالق سبحانه وتعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أو آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج (46)، فإنّ كل مسلم يؤمن بما ورد في الآية ويسلم بما فيها من مفاهيم ومعانٍ، وهذا ديدن كل مؤمن بالله سبحانه وتعالى، ويبقى على المسلم حتى يفهم المراد من الآية أن يبحث عن تفسيرها، خاصة إذا كانت الآية ظنية الدلالة، والقطع بتفسيرها يضيق المعنى المعجز للآية، ويغلق باب التفكير فيها.

قال الرازي رحمه الله: إن الآية السابقة تدل على أن العقل هو العلم، وأن محل العلم هو القلب، وقوله تعالى: (يَعْقِلُونَ بِهَا) كالدلالة على أن القلب آلة لهذا التعقل، وأضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محل الأذن) (تفسير الرازي (23/45) نقلا عن التفسير المنير، وهبه الزحيلي، دار الفكر، دمشق: سوريا (ط1) (ص 238) (1991م).
وقال الأصفهاني، وقوله: (وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج 46)، قيل: العقل وقيل الروح. (مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، دار القلم، دمشق: سوريا (ط2) (ص682) (1997م).
وقد اختلف المفسرون في موضع العقل، لذلك قلت في مقالي السابق بتاريخ 11 ديسمبر 2015م: إن القلب قد يكون العضو الرئيس في الدورة الدموية، وقد يكون لبا في مكان آخر لا يعلمه إلا الله، وقد يكون هو جزيء (DNA) الجزيء الرئيس المتحكم في الصفات الخلوية والله أعلم بمراده، ومن هنا عنونت لمقالي السابق بقوله تعالى: (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) الحج (46)، والعجيب أن الدكتور مجيد البلوشي في مقاله الثاني المنشور بتاريخ 29 يناير 2016م ترك القضية محل النقاش وانبرى يقول إنني بترت الآية بترا واتخذت الجزء الذي يعجبني عنوانا لمقالي من دون ذكر أو إشارة إلى بقيه الآية وذلك ليثبت أن القلب هو عضو التعقل وليس الدماغ (المخ) انتهى، وتجاهل الدكتور البلوشي قولي في المقال السابق: إن القلب قد يكون العضو الرئيس في الدورة الدموية، وقد يكون لبا في مكان آخر لا يعلمه إلا الله.. والله أعلم بمراده، فهذه الآية ليست قطعية الدلالة في مكان العقل، وقلت (أما العقل فلم يستطع مخلوق أو باحث علمي إلى الآن تحديد ماهيته ولا كيف يعمل أو تحديد مكانه بالجسم، والقطع بأن المخ الإنساني هو مركز العقل لا دليل علمي عليه ولذلك اختلفت الآراء فيه).
وبما أن البينة على من ادعى، فإنني أطلب من الدكتور البلوشي الإتيان بالمراجع العلمية المتخصصة المؤيدة لرأيه، وأما طلبه من القراء الرجوع إلى الموسوعة العربية العالمية، فأقول له: هذه موسوعة ثقافة عامة ولا يعتد بها في حسم الخلاف العلمي والمعتمد في ذلك علميا الكتب العلمية المتخصصة والدوريات العلمية المحكمة في هذا المجال، والبحوث العلمية المنشورة في المجلات المتخصصة، ساعتها نسلم بذلك، وعليه أن يثبت المراجع بالأسلوب العلمي المتبع في تثبيت المراجع في مناهج البحث العلمي.
الدكتور البلوشي يدعي أنني أدافع عن الأستاذ سلمان الحايكي، وهذا ظن لا صحة له، فأنا لم ألتق الأستاذ سلمان أبدا ولا تربطني به علاقة شخصية، وأنا لا يمكن أن أشخصن القضية، فهذا أسلوب غير علمي، وأما قوله: إنني والأخ سلمان الحايكي ننطلق من منطلق ديني بحت من دون الأخذ بمعطيات العلم بما فيها علم الأحياء، فعلا أنا أنطلق من منطلق ديني، والدين الإسلامي يحثنا على الأخذ بالعلوم الكونية وسؤال أهل الذكر في ذلك، وأنا والحمد لله متخصص في علم الأحياء وشاركت في تأليف وتحرير عشرات الكتب في علم الأحياء ودرست مدة عشرين عاما في مدارس البحرين الثانوية، علاوة على تدريسي مدة ثلاثين عاما في قسم الأحياء بتربية عين شمس، فكيف يتهمني الدكتور البلوشي بأنني لا آخذ بمعطيات العلوم بما فيها علم الأحياء، هذا ادعاء خارج عن دائرة الحقيقة العلمية والواقعية والمنطقية.
من العجب العجاب أن الدكتور مجيد البلوشي كتب في مقاله الثاني خمسة أعمدة جعل منها أربعة أعمدة عن الأميبا وانبرى في شرح أشياء عن الأميبا يعلمها التلاميذ في المرحلة الثانوية، فتكلم عن تنفس الأميبا وتغذيتها وتكاثرها ليوهم القارئ غير المتخصص في العلوم أنه علامة في علم الأحياء وهذا شيء عجيب، ويدعي أنني غير متابع للبحوث والمستجدات العلمية، وأنا شخصيا لم أر يوما في كتابات الدكتور مجيد البلوشي المنشورة في أخبار الخليج شيئا يدل على أنه مطلع على الجديد في علم الأحياء وفروعه المختلفة، وكل ما يكتبه الدكتور البلوشي في علم الأحياء ثقافة عامة وهو نفس ما يدرسه الطلاب في المرحلة الثانوية، وعليه أن يعلم أن حصولي على الدكتوراه كان نقطة البداية لحياتي العلمية منذ أربعين سنة مارست خلالها التدريس بجامعة عين شمس وعملت اختصاصي إعداد مناهج الأحياء وتطويرها في البحرين، والحمد لله ألفت بعد حصولي على الدكتوراه أكثر من مئتي كتاب في مجالات الأحياء والتربية والبيئة والإسلام، ونشرت ألف مقال على موقعي الإلكتروني وكتبت في صحف أخبار الخليج البحرينية، والخليج الإماراتية، والشرق القطرية، والغذاء السعودية، والأيام البحرينية، والهداية البحرينية وغيرها، وأعددت برامج إذاعية يومية مدة اثنتي عشر سنة متصلة في إذاعة البحرين والحمد لله وعندي الوثائق على كل ما أقول، وما أعددت من حلقات إذاعية وتلفزيونية ومقالات وكتب منشورة على شبكة الإنترنت وكنت أود ألا أكتب ذلك لولا أسلوب الشخصنة الذي استخدمه الدكتور البلوشي في رده على مقالي، فقد ترك موضوع العقل والقلب ودخل في موضوعات بعيدة عن أسلوب العلميين ومنهاج الباحثين.
الدكتور البلوشي يدعي أنني قارنت بين الأميبا والبكتيريا من جهة وبين المخ من جهة أخرى والحقيقة المثبتة في مقالي الأول أنني قارنت بين خلية الأميبا وخلية المخ العصبية، فالمقارنة بين خلية ونسيج أو عضو خطأ علمي فادح، المقارنة العلمية تكون بين خلية وخلية، أو نسيج ونسيج، أو عضو وعضو، والحقائق العلمية والعملية تثبت أن خلية الأميبا والخلية البكتيرية ذات برمجة جينية أقوى من البرمجة الجينية للخلية العصبية المخية للإنسان، فالخلية المخية تحتاج إلى من يغذيها، ويمدها بالأكسجين والطاقة، ويحميها من عدوها، وتعجز عن العمل بمفردها، وأن خلية بكتيرية واحدة (أو فيروس واحد) قادران على تحطيم وشل عمل آلاف الخلايا العصبية المخية في دقائق معدودة، ولا تستطيع الخلية المخية الدفاع عن نفسها بنفسها ضد الغزو البكتيري أو الفيروسي، والفيروس قادر على تحطيم البرمجة العصبية الجينية للخلية المخية، وبذلك يهلكها في دقائق معدودة، فأيهما أقوى برمجة جينية الخلية المخية أم برمجة الخلية البكتيرية أو الخلية الأميبية أو الفيروس؟
الخلية البكتيرية وكذلك الخلية الأميبية تتغذى بذاتها وتتكاثر بمفردها، وتنمو سريعا وتدافع بشراسة عن نفسها وتتكافل مع المضادات الحيوية القاتلة لها والعوامل البيئية، بينما تحتاج الخلية المخية إلى عون خلايا الجسم الأخرى حتى تقوم بعملها وإلا توقفت وهلكت وتحللت.
سؤال للدكتور البلوشي: كيف تعلم الأميبا أن مياه البركة التي تعيش فيها ستجف بعد أيام قليلة وعليها التجرثم وحماية نفسها من الجفاف والظروف البيئية الخارجية المستقبلية؟ وكذلك تعمل الخلية البكتيرية، هذا ما أنبأنا الله تعالى به في كتابه المعجز بقوله تعالى: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50) أي أعطاه ماهيته وتركيبه ثم هداه لما يصلح عليه حياته، هذه إجابة لا يفهمها العلماني (بفتح العين) المادي الدارويني والإلحادي، والعجيب أن الدكتور البلوشي مازال يعتقد بنظرية المصادفة والعشوائية في الخلق، وبتقسيم الكائنات الحية على أساسها البدائي والواهي والباطل، لقد فشل الداروينيون في إيجاد أدلة علمية تؤيد هذه النظرية الخرافية البعيدة عن العلم الحقيقي.
والآن ومنذ عشرات السنين تصنف الكائنات الحية على الأسس الجينية، والكيماوية الحيوية، والتوافق السيتوبلازمي، والخصائص المناعية، والتركيب النسيجي وغير ذلك من العلوم الحديثة.
أنصحك يا دكتور مجيد أن تلزم تخصصك، ولا تتدخل في تخصص غيرك حتى لا تضع نفسك في مواقف الضعف، كما أنصحك بالبعد عن محاولتك النيل من الإسلام، واعلم أن الإسلام دين العلم والبحث عن الحقيقة وعلماء المسلمين لا يجدون مانعا شرعيا في اتباع ما يثبته العلم الكوني بشرط أن يكون صحيحا ومقطوعا بصحته، وأعلم أن العلمانية (بفتح العين) والشيوعية والالحاد أيدولوجيات شيطانية لا مكان لها في ديارنا الإسلامية.
يا دكتور مجيد لا تحاول إيهام القراء أنك عالم في علم الأحياء؛ فكل ما قرأناه لك إلى الآن في علم الأحياء يدل على المستوى المتدني للغاية، والشفاء من ذلك الدراسة العلمية المنظمة على أيدي أساتذة في علم الأحياء حتى يفهم الدارس حقائق هذا العلم فهما صحيحا بعيدا عن النقل من دون تخصص.
في الحقيقة أنا لم أجد شيئا علميا يستحق الرد في مقالك المنشور في أخبار الخليج يوم 29 يناير 2016 ولم أكن عازما الرد عليك، ولكن عندما تأكّدت أن بعضا من غير المتخصصين في علم الأحياء ظن أن ما كتبته أنت عن الأميبا شيئا علميا جديدا وهنا رأيت أنه وجب علي أن أرد عليك حتى أبين لغير المختصين في علم الأحياء أن ما كتبته أنت عن الأميبا معلومات يعلمها التلاميذ في التعليم العام منذ مئات السنين ومعظم ما تكتبه تنقله من مصادر الثقافة العلمية العامة وليس من كتب علمية ومتخصصة في علم الأحياء.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٨٣٩ – الجمعة ١٢ فبراير ٢٠١٦ م، الموافق ٣ جمادى الأولى ١٤٣٧ هـ