العلم في أوجز عبارة: هو معرفة الشيء على حقيقته، والجهل عدم المعرفة بالشيء أو بحقيقته، والجهل نوعان أولهما الجهل البسيط، وهو يعم كل إنسان فيما لم يتعلمه، والجهل الثاني هو الجهل المركب وهو فهم الشيء على غير حقيقته مع الاعتقاد انه يفهمه على حقيقته، وهذا أقبح أنواع الجهل لأنّ صاحبه يتكلم بجهل ويهذي وهو ظان أن ما يقوله هو العلم بحقيقة الشيء.

ومصيبتنا الحقيقية هي أن الكثير لا يعلم وهو لا يدري انه لا يعلم، وهذا هو الحمق بعينه، فالبعض يخلط خلطا عجيبا بين المخ والعقل، والمعلوم علميا أن المخ هو العضو الرخو الذي يملأ الجمجمة في الإنسان ومعظم الحيوان وهذا المخ هو المتحكم الرئيس في عمليات الايض والاتزان في جسم الإنسان ومعظم الحيوان وهو مركز التعليم في الإنسان. وهذا المخ تركيب خلوي يتكون من الخلايا العصبية المخية وهو ما يقوم الإنسان بدراسته عمليا وتشريحيا ووظائفيا في الكليات المتخصصة.
– أما العقل فهو النعمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى به على الإنسان وكرمه به وكلفه بوجوده، وأمر الخالق سبحانه وتعالى الإنسان في العديد من الآيات القرآنية باستخدامه في فهم وتعقل ما يدور حوله، وفي داخله من مخلوقات وقوانين وعمليات حيوية وفيزيائية وكيميائية والدليل العلمي على أن المخ غير العقل هو أن تركيب وتشريح عقل المجنون لا يختلف عن تركيب وتشريح عقل العاقل، والمخ هو مركز التعليم والبرمجة العصبية المخية ومركز تخزين المشاعر والتحكم الرئيسي في عمليات الايض (الهدم والبناء في الجسم، وبما أن المخ عضو مادي فإنه يسهل دراسته عمليا وتعرف وظائفه وقياسها ولذلك درس الإنسان تركيب المخ وتشريحه وحدد مراكز العمل فيه واستخدم الأجهزة الحديثة في تسجيل وتعرف عمل تلك المراكز.
أما العقل فلم يستطع مخلوق أو باحث علمي إلى الآن تحديد ماهيته ولا كيف يعمل، أو تحديد مكانه بالجسم والقطع بأنه المخ الإنساني هو مركز العقل لا دليل علمي عليه.
نحن ندرك آثار العقل في سلوك العقلاء وشواهد غيابه في سلوك المجانين والحمقى والمغفلين وغير العقلاء.
والإنسان يحتاج إلى عون الخالق سبحانه وتعالى لتعرف ماهية العقل ومكانه، ومن الجهل المركب القول إن المخ الإنساني هو مركز العقل ففي هذا القول خلط بين وظائف المخ والتعقل والتعليم والتعلم ومن يقرأ آيات القرآن يجد قول الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) (الحج 46).
والقلب هنا قد يكون العضو الرئيس في الدورة الدموية وقد يكون لبًّا في مكان آخر لا يعلمه إلا الله، وقد يكون هو جزئي (DNA) الجزئي الرئيسي المتحكم في جميع الصفات الخلوية، والله أعلم بمراده، فهذه الآية ليست قطعية الدلالة على مكان العقل.
فأنا شخصيا أعتقد أنَّ الإنسان يفكر ويتعقل بجينات خاصة من جزئي (DNA)، لأن هذه الجينات وهذه الجزيئات هي المتحكمة في جميع العمليات الحيوية في الخلايا الحية وهذا الاعتقاد قابل للقبول أو الرفض ولا أجزم به لأنه استنتاج عقلي لا يخضع للتجربة العملية والله أعلم بمراده.
مشكلتنا اليوم هذا الصنف من الناس الذين يتكلمون فيما لا يعلمون أو يفهمون أو في غير تخصصهم، ومن العجيب أن البعض منهم يظن أن الطير ليس من الحيوان، ويظن أن الخفاش من الطيور وهذا جهل مركب، والبعض منهم يظن أن خلية المخ أرقى من خلية الاميبا، ولكن الحقيقة العلمية تقول: إن خلية الاميبا والخلية البكتيرية ذات برمجة جينية اقوى من البرمجة الجينية للخلية المخية في الإنسان، فخلية الاميبا تتنفس ذاتيا والخلية المخية غير قادرة على ذلك، والخلية الأميبية تتغذى بنفسها والخلية المخية غير قادرة على ذلك، والخلية الأميبية تصلح نفسها بنفسها والخلية المخية غير قادرة على ذلك، والخلية الأميبية تتكاثر وتنمو والخلية المخية غير قادرة على النمو والتكاثر.
البعض يظن أنه ما دام قادرا على الحصول على المعلومة من الشبكة العنكبوتية فهو قادر على فهمها ضاربا بالتعليم والتعلم والتخصص عرض الحائط، وقد نبهنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى خطورة ذلك فبين أن الله لا ينتزع العلم انتزاعا ولكنه ينتزعه بانتزاع العلماء فإذا انتزع الله العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهلا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، هذا هو الضلال الحادث الآن، هؤلاء يلغون التخصص ويلغون التعليم والتعلم، وفهم المختصين للمفاهيم والحقائق والقوانين والعمليات الحيوية والفيزيائية والكيميائية والسلوكية.
ومن المصائب التي ابتلينا بها تلك الشهادات الورقية التي يتحصل عليها البعض من الجامعات الخاصة والجامعات الباحثة عن الكسب، فيعطى الفرد شهادة تسمى كذبا بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه وفي الحقيقة هذه الرسالة عبارة عن مقال بسيط وصغير وتجميع ورقي أطلقوا عليه جهلا ماجستير ودكتوراه وبكالوريوس. وتوجد مؤامرة لإبعاد أبناء المسلمين والعرب عن التعليم الحقيقي والمتميز والتعلم الفعال ومنحهم شهادات ورقية ورخصا يقدمونها للتوظيف في ديارهم وهم جاهلون ضالون مضلون، وقد ضرب الله تعالى المثل لهذا الصنف من الناس بأسوأ الأمثال في كتابه الكريم، قال تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة 5).
فمن حمل شهادة وهو على غير مستواها فهو كالحمار يحمل أَسْفَارًا وهو من الظالمين والعياذ بالله.
– ومن المصائب التي ابتلينا بها أيضا فتح الباب أمام الجهلاء وأنصاف المتعلمين وأصحاب الشهادات الورقية للكتابة للجماهير وإلباسهم ثوب العلم والعلماء وهم في الحقيقة جهلاء بالجهل المركب والعياذ بالله.
– وهذا الصنف من الناس هو الذي يؤسس للتخلف والفساد والجهل والدجل المستشري في أوصال أمتنا العربية والعياذ بالله.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٧٧٦ – الجمعة ١١ ديسمبر ٢٠١٥ م، الموافق ٢٨ صفر ١٤٣٧ هـ