إن سالك ملحد لماذا تؤمن بوجود الخالق سبحانه وتعالى؟
هذا السؤال مشروع ويجب أن يجيب عنه كل مؤمن بالله سبحانه وتعالى ويفكر في الإجابة عنه حتى لا يفاجأ بالملحدين يشككون في وجود الخالق سبحانه وتعالى وصفاته العليا.
وأنا شخصيا قررت أن أجيب عن هذا السؤال، فهناك أدلة عقلية وأدلة علمية وأدلة قرآنية.

أولا: الأدلة العقلية:
انظر حولك في البيئة التي تجلس فيها حاليا تجد كل شيء مصنوع وموجود فيها خلقه صانع، فالكراسي صنعها صانع، والسجاجيد صنعها صانع، والحاسوب صنعة صانع، والمكيف صنعه صانع، والبيت بناه بناء، والحديقة أنشأها زارع، والملابس صنعها صانع، وهكذا كل مصنوع خلقه صانع وكل موجود أوجده واجد، هذه حقيقة عقلية، إذن الأرض خلقها خالق والنبات أوجده موجد، والسماء بناها قادر، والحيوان أوجده خالق، فلا يوجد شيء من دون موجد، وهذا الموجد تتضح صفاته من الصناعة نفسها، فالزهرة مرتبة الأجزاء بحكمة بالغة وتركيبها محكم ودقيق ومقدر، وكذلك ورقة النبات وبيضة الحيوان وتركيب جسد الإنسان يدلل على أن الموجد عليم بالشكل الظاهري المناسب والتركيب التشريحي المطلوب لأداء الوظيفة ووظائف كل عضو تدلل دلالة قاطعة على علم وقدرة موجدها.
والأعرابي البسيط يقول: البعرة تدل على البعير، والقدم يدل على المسير، أسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج أما تدل على اللطيف الخبير؟!!
والشاعر يقول:
تأمل في رياض الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك.
عيون من لجين شاخصات *** بأحداق هي الذهب السبيك.
على قضب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك.
هكذا كل شيء حولنا يؤكد: العلم والحكمة والإحسان والاتقان والإعجاز في الخلق، فلا يعقل أن يوجد كل هذا من دون موجد عليم خبير لطيف قادر مقدر، لذلك أنا بعقلي وبما يحيط بي من موجودات أتأكّد من وجود القوى القادر الخالق البارئ المصور، ومن ينكر علي ذلك فهو ينكر علي إعمال عقلي فيما يحيط بي في البيئة وما يؤثر في ويتأثر بسلوكي.

ثانيا الأدلة العلمية:
وحيث إنَّ العقول تتفاوت في قراءة الأحداث وتفسير الظواهر ولا رابط أو ضابط للعقل مع وجود التفاوت في العقول والفهم والاستنتاج، إذن علي أن أوجد أدلة علمية وحقائق علمية أستطيع رؤيتها وفحصها وتحليلها بالأجهزة العلمية الحديثة التي لا تكذب أو تخدع مع المقدرة على تكرار نتائجها وإثبات دقتها وثباتها وإعجازها، وحيث إنَّ هذه الأدلة تحتاج إلى علم وتخصص ودراسة وبحث تدقيق لذلك سألتزم بالمنهاج العلمي وآتي بأدلة علمية من مجال تخصصي الدقيق في علمي النبات والكائنات الحية الدقيقة وما يربط بهما من التربة والماء والهواء والعمليات الحيوية التي تتم في كل كائن من هذه الكائنات.
– تتم في النبات أهم عملية حيوية على سطح الأرض، هذه العملية يتوقف عليها حياة كل الكائنات الحية، النباتية والحيوانية والحية الدقيقة والإنسان في البيئة الأرضية، وإذا غابت هذه العملية غابت الحياة من على الأرض وتحولت الأرض إلى كتل من الصخور والمعادن والماء والهواء وضوء الشمس وحرارتها وما يتوقف عليها من حركة من عمليات كيميائية وفيزيائية وجيولوجية تخص هذه المكونات ولا تتخطاها إلى غيرها
– وحيث إنَّ هذه العملية بهذه الأهمية فإنّ متطلباتها لا بدَّ أن تكون متوافرة في البيئة الأرضية ومتاحة لإتمامها بدقة بالغة ولا بد من وجود المصانع المسؤولة عن عملها وتوفرها بالكميات المطلوبة وبالكفاءة اللازمة لإتمامها، إنها عملية البناء الضوئي أو التركيب الضوئي التي تتوقف عليها حياة الكائنات الحية الأرضية، هذه العملية خاماتها متوافرة بكميات كافية وصالحة في البيئة الأرضية أوجدها الموجد العليم الخبير المدبر والمقدر والمحرك لكل العملية من بدايتها إلى نهايتها، وهذا موجود في البيئة الأرضية ومقدر تقديرا علميا دقيقا ويصعب احتكارها.
فالماء شرط أساس لإنبات النبات ونموه وقيامه بالبناء الضوئي وإنتاج المواد العضوية والغذائية الناتجة من عملية البناء الضوئي، لذلك فإنّ 75% من الكرة الأرضية يكون مخزونا للمياه على الأرض ولهذه المياه دورة مقدرة ومحكمة وثابتة علميا يتم من خلالها جعل الماء البحري المالح يصلح للإنبات ونمو النبات وزراعته وإكثاره، ولهذا الماء صفات فريدة في اللزوجة والتوتر السطحي ومعاملات التماسك والتلاصق والإذابة والحرارة النوعية ودرجة الغليان والتجمد والتبخر بما يجعله ملائما تماما عن كل السوائل في البيئة الأرضية لحياة النبات والقيام بعملية البناء الضوئي.
– والضوء شرط أساس لنمو النبات والقيام بعملية البناء الضوئي وهذا الضوء له مصدر عظيم يمد النبات به وهي الشمس بما تسقطه من كميات كافية من الضوء على النبات.
– وثاني أكسيد الكربون شرط أساس لعملية البناء الضوئي وهو متوافر بكمية مناسبة 0,3% في البيئة الأرضية ولا يستطيع أحد التحكم في حركته العامة على الأرض.
– والشمس تمد النبات بالحرارة اللازمة لإتمام عملية البناء الضوئي.
– وفي النبات تراكيب موجودة بحكمة بالغة تمكن النبات من عملية البناء الضوئي وهي الورقة النباتية وبعض السيقان المتحورة للقيام بعملية البناء الضوئي، وتركيب الورقة وشكلها دقيق للغاية ومهيأ تماما لعملية البناء الضوئي، وفي الورقة عضيات وتراكيب معجزة ومقدرة ودقيقة هي البلاستيدات بأنواعها المختلفة الخضراء والملونة وعديمة اللون ولها تركيب وتشريح يتلاءم لإتمام العملية بكفاءة عالية، وتركيبها يدلل على الاتقان والعلم والتدبير والحكمة والرحمة، ومع البلاستيدات توجد عضيات أخرى لنقل منتجات البناء الضوئي والعمل على حيوية الورقة وقيامها بدورها المقدر لها بحكمة بالغة. وكل ورقة عبارة عن مفاعل حيوي أرضي يقوم بتثبيت الطاقة الشمسية وثاني اكسيد الكربون وشطر الماء وإنتاج منشآت المواد الغذائية التي يترتب عليها إنتاج الكربوهيدرات والدهون والبروتين والفيتامينات والهرمونات وكل المنتجات النباتية، ويتم في الورقة دورات عديدة علمية ومعقدة ومقدرة مثل دورة كالفن ودورة البناء الضوئي ودورة كربس وغيرها من الدورات الحيوية المكتوبة في مجلدات من الكتب والدراسات العلمية، فهل يعقل أن كل هذا التقدير وهذا الإحكام وهذه الدقة وجدت من دون موجد عليم خبير لطيف مقدر؟!
– هذه عملية واحدة من ملايين العمليات التي تتم على الأرض في النبات وإن توقفت هذه العملية وحدها هلكت جميع الكائنات الحية على الأرض.
– فمن خلق هذا؟
– ومن قدر هذا؟
– ومن أوجد هذا؟
-لا يمكن أن أفقد عقلي وتفكيري وتدبيري وعلمي لأقول إن هذا الإحكام وهذا التدبير وجد بالمصادفة ومن دون موجد عليم خبير لطيف أعطى كل هذه الكائنات خلقها التي هي عليه، ثم هداها لما يصلح عليها حياتها وحياة المرتبطين بها.
– ويوجد جزيء (DNA) الجزيء الوراثي العجيب الذي يتحكم في كل صفات الكائنات الحية ونقل صفاتها الوراثية بدقة بالغة وعلمية موزونة وإحكام عجيب، من خلق هذا وحملة الصفات الوراثية التي تحتاج إلى المجلدات الضخمة لكتابتها وبيانها؟!!
– إن إنكار ما يتم في النبات والحيوان والكائنات الحية الدقيقة هو إنكار وتعطيل للعقل والعلم والحقائق الكونية، والدخول في متاهة الجهل المركب والإنكار والخرافة والبعد عن العلمية والموضوعية والحقائق الكونية.

الأدلة الشرعية:
– الله سبحانه وتعالى خلق الكائنات الحية وخلق الانسان وهدى كل مخلوق لما يصلح عليه حياته قال تعالى: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يا موسى قالَ رَبنا الَّذِي أَعطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه 49-50).
وجاءت الأنبياء والرسل بمعجزات حسية تدلل على صدقهم أمام قومهم وانتهت هذه المعجزات بانتهاء وقتها وجاء الله سبحانه تعالى بمعجزة دائمة وخالدة وهو القرآن الكريم وضمنه الله تعالى إشارات علمية تدلل على قدرة الخالق، وهذه الإشارات تدلل دلالة قاطعة على علم الله سبحانه وتعالى، وقد شرحت العشرات منها على موقعي على اليوتيوب باسم الدكتور نظمي خليل أبوالعطا موسى والمقام لا يتسع هنا لشرحها، كلها تدلل على صدق القرآن الكريم في مجال تخصصي الدقيق في النبات والكائنات الحية الدقيقة، ومن هذه الآيات قول الله تعال (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذَا أَنزلنا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبتت من كُلِّ زَوْجٍ بهيج) (الحج 5).
وقال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فصلت 39).
وورود كلمتي (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) بهذا الترتيب فيه إعجاز علمي كبير وقد فصلنا ذلك في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات.
وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إلى ثَمَرِهِ إذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام 99).
– وقد حشد القرآن الكريم مئات من الآيات في مجالات علم الحيوان وعلم الأرض وعلم الفلك وعلم التنصيف، من هنا نحن نصدق تلك المعجزة على حقائق علمية.
– مما سبق نفهم أن الكون منظم ودقيق وموزون وهذا يحتاج إلى عليم خبير خالق مقدر، لذلك قال سيدنا موسى لفرعون عندما سأله (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه 49-50) وهذه إجابة موجزة معجزة من خلق كل الكائنات وهدايتها لما يصلح عليها حياتها في هذه الحياة الدنيا، فهل يعقل أن كل هذا لا يدلل على وجود الخالق سبحانه وتعالى؟!!
– وهذه إجابتي في مجال تخصصي وما أفهم فيه، فهل تقدر أخي المسلم أن تجيب عن هذا السؤال في مجال تخصصك وما تفهم فيه؟!!!!

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٧٨٣ – الجمعة ١٨ ديسمبر ٢٠١٥ م، الموافق ٦ ربيع الأول ١٤٣٧ هـ