أقسم الخالق سبحانه وتعالى بالعديد من مخلوقاته منها قوله تعالى: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) التكوير (18). قال الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن الكريم: الصُّبح والصَّباح: أول النهار، وهو وقت ما احمر الأفق بحاجب الشمس، قال تعالى: (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) هود (81)، وقال تعالى: (فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ) الصافات (177).

وقال: النَّفَسُ: الريحُ الداخل والخارج في البدن من الفم والمَنخَر، وهو كالغذاء للنفس، وبانقطاعه بُطلانها، ويقال للفَرَج: نفس ومنه ما روي إني لأجد نَفَسَ ربكم من قبل اليمن، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام (لا تسبوا الريح فإنها من نَفَس الرحمن) أخرجه أحمد، أي مما يفرج بها الكرب، يقال: اللهم نَفِّس عني، أي فرّج عني وتنفست الريح: إذا هبت طيبة قال الشاعر:
فإن الصَّبا ريح إذا ما تنفست *** على نفس محزون تجلَّت هُمومها
وتنفس النهار عبارة عن تَوسُّعِه قال تعالى: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) التكوير (18).
– وأنا أرى، والله أعلم بمراده، أن هذه الآية من الإشارات العلمية في الآيات القرآنية، فكيف يتنفس الصبح علميا في ضوء ما ورد في مفردات ألفاظ القرآن كما سبق وفي ضوء الحقائق العلمية؟ لذلك أقول وبالله التوفيق:
– بالليل يقوم النبات بعمليات التكملة للبناء الضوئي النهاري (تفاعلات الظلام)، ويقوم بالتنفس وإنتاج ثاني أكسيد الكربون ويتوقف عن انتاج الأكسجين الناتج من انشطار الماء في عمليات البناء الضوئي النهارية (تفاعلات الضوء).
فالنبات بالنهار يعطي الأكسجين في الجو، وبالليل ينتج ثاني أكسيد الكربون الذي يتراكم في البيئة الخارجية للنبات ليلا.
– وفي الصباح يبدأ الضوء اللازم لعملية البناء الضوئي في الظهور مع شروق الشمس ويبدأ النبات في البناء الضوئي فيأخذ ثاني أكسيد الكربون والماء في وجود الضوء ليعطي الأكسجين والسكريات في عملية التنفس الهوائي، والبناء للمواد الكربوهيدراتية من هيدروجين الماء وكربون ثاني أكسيد الكربون أو الكربونات بالنسبة للنباتات المائية.
وهكذا يتنفس النبات هوائيا ويبدأ ثاني أكسيد الكربون في الدخول إلى خلايا النبات من الثغور الموجودة في الأوراق وبعض السيقان الخضراء والمتحورة للقيام بعملية البناء الضوئي، وبذلك يتنفس النبات وتحدث عملية تبادل للغازات بين الخلايا والبيئة الخارجية (التنفس الخارجي)، وفي الوقت نفسه يبدأ النبات في عمليات البناء الضوئي والبناء الداخلي وإطلاق الأكسجين في الجو.
أي أن المحصلة النهائية لهذه العمليات المتوقفة على ضوء الشمس وظهور النهار أن النهار يتنفس مع النبات وتحدث عمليات تبادل غازي بينهما فتتخلص البيئة من ثاني أكسيد الكربون الناتج من عمليات الهدم في النبات والكائنات الحية الأخرى كالحيوان والفطريات ومعظم البكتيريا والطلائعيات وينتج النبات الأخضر الأكسجين ويطلقه إلى البيئة المحيطة به.
– فسبحان العليم سبحانه وتعالى الذي أخفى علمه عن بعض خلقه في الماضي ووقت نزول القرآن وأعطاه للعلماء في العصر الحديث فبدأت النظرة العلمية للآيات القرآنية لتثبت أن الصبح يتنفس ويتبادل الغازات مع النبات والبيئة في عمليات حيوية معجزة تحتاج إلى علم العلماء وفهم الباحثين في عالم النبات.
من هنا يتبين لنا أهمية تدريس مقررات أساسية للعلوم الكونية لطلبة الدراسات الشرعية في التعليم العام والجامعي، ويتبين أيضا اهمية تدريس مادة الإعجاز العلمي لطلبة الدراسات الشرعية، تلك المادة الدراسية التي تعجز عقول بعض المتخصصين في العلوم الشرعية أن تدرك أهميتها ويسعون إلى إلغائها من بعض الدراسات الإسلامية، وللأسف مازالوا يدرسون التفسير العلمي بالمعطيات العلمية القديمة وبالفهم العلمي القديم لعلماء التفسير الذين يعتبرون بذور النبات ميتة والبيضة ميتة والله يخرج منها النبات الحي مع أن حيوية البذور والبيضات شرط أساس لعملية الانبات وتخصيب البيضات وإنتاج الطيور منها. ومازال البعض يظن أن الأرض لا تدور ويُخَطئ من يقول إنها تدور والبعض يكفِّرون من يقول بدوران الأرض.
– ومن الآيات ذات العلاقة بالآية السابقة قول الله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ) يس (80)، حيث بينت الآية أهمية المادة الخضراء في النبات في إنتاج الطاقة بعملية البناء الضوئي وقد ربطت الآية بين الشجر الأخضر، والنار والاشتعال، وهذا أيضا من آيات الإعجاز العلمي في الآيات القرآنية والتي أراد الله سبحانه وتعالى أن يبين قدرته على إحياء العظام وهي رميم والبعث والحساب بعملية علمية حيوية ملموسة للإنسان وتدلل على قدرة الله سبحانه وتعالى فكانت عملية البناء الضوئي هي العملية المعجزة الدالة على قدرة الله سبحانه وتعالى التي يدخل فيها المواد الميتة (الضوء وثاني أكسيد الكربون والماء) فتتحول بقدرة الله بواسطة المادة الخضراء (اليخضور) إلى مواد غذائية ميتة، عندما تعبر جدار الخلية وغشائها فإنها تتحول إلى عُضَيَّات خلوية حية قادرة على التنفس والهدم والبناء والتكاثر والانقسام وإعطاء خلايا حية تُكَّون النبات الحي، إنها دورة بين الحياة والموت والبناء والهدم والأخذ والإخراج تماما كما يحدث للصبح عندما يتنفس ويتبادل الغازات والطاقة وعناصر الحياة بين النبات والبيئة الخارجية فسبحان العليم الخبير القائل: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوَارِ الْكُنَّسِ* وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ* وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) التكوير (15-19).
ومن الإعجاز أن يقول الله تعالى: (والصبح) ولم يقل (والفجر)، بل أقسم بأول النهار وهو وقت احمرار الأفق بحاجب الشمس كما قال الأصفهاني، أي ظهور الضوء وإعطاء الوقت للنبات ليبدأ بالتبادل الغازي مع البيئة في التنفس الهوائي والبناء الضوئي، والله أعلم.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٤١٢ – الجمعة ١٢ ديسمبر ٢٠١٤ م، الموافق ٢٠ صفر ١٤٣٦ هـ