رسم الفنان محرقي في أخبار الخليج يوم السبت 13 ديسمبر 2014م كاريكاتيرا يبين البحرين تطير بجناحين كتب على أحدهما (الثقافة) وعلى الجناح الآخر (الفنون) وأسفل من الرسم كتب بهما البحرين تعلو.

ونحن لا ننكر دور الثقافة والفنون في علو الأمم وتقدمها، ولكن العلوم الكونية (أحياء، كيمياء، فيزياء، جيولوجيا، فلك) مع الرياضيات هي العمود الذي يحمل كفتي الميزان نحو العلو والتقدم، فالعلوم الكونية هي العمود الفقري الذي تستند عليه الثقافة والفنون، فبالعلوم الكونية قام الطيران الذي غيّر مجرى الحياة البشرية وبها اكتشف الانسان وصنع الدواء الذي حمى البشرية من الأمراض المعدية وغير المعدية التي أقضت مضجع الإنسان منذ أن وجد على الأرض، حيث كان الوباء يحصد الملايين من البشر، وعانت البشرية طويلا من الطاعون والكوليرا والملاريا والجدري والسل حتى جاء التقدم العلمي في الطب والكيمياء ليصنع سياجا من الأدوية لحماية الإنسان من هذه الأمراض الفتاكة، والعلوم الكونية هي التي تداوي الإنسان حاليا وتعالجه وتحميه من السرطان والإيدز والالتهاب الكبدي وأمراض القلب وتصلب الشرايين وداء السكري وأمراض العيون والأمراض الجلدية، وتحصنه ضد العدوى بالتعقيم ومضادات الحيوية والأدوات المانعة للعدوى، وبالعلوم الكونية حمى الإنسان نفسه من الأمراض الوراثية، وبها اكتشف الإنسان المعادن والبترول والطاقة الذرية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية وأسرار الكون من حوله، وبالعلوم الكونية اخترع الإنسان السيارة ورصف الطرق وابتكر الإشارات المرورية وأجهزة الإنذار المبكر، وبالعلوم الكونية حسّن الإنسان الإنتاج الزراعي وشيّد الزراعة المحمية والمائية واستنتج الأصناف الزراعية المتميزة لإنتاج الغذاء والدواء والكساء وكذلك حسّن الإنتاج الحيواني.

وبالعلوم الكونية اخترع الإنسان المصاعد واكتشف الكهرباء وبنى المباني الحديثة الشاهقة.

وهكذا لو تتبعنا كل مناحي الحياة لعلمنا أنه لا علو من دون العلوم الكونية.

وقد قسّم العلماء العلوم إلى علوم خادمة وعلوم مخدومة، العلوم الخادمة تخدم العلوم المخدومة، ومن العلوم الخادمة: الفنون والثقافة والمحاماة والمحاسبة واللغة وغيرها.

والعلوم المخدومة هي العلوم الكونية السابق ذكرها.

ولقد سادت الدول المتقدمة واستعمرت العالم بالتقدم التقني والعلمي، والتقدم في مجالات الصناعة والزراعة، فعلينا إن أردنا العلو أن نربي أبناءنا على أهمية العلوم الكونية ليكون عندهم الدافع لدراستها والتقدم والتميز والإبداع فيها.

الفنون والثقافة علوم تحسينية تحسن منتجات العلوم الكونية، وتعمل على ترشيدها والسمو بالإنسان في مجالاتها.

من هنا إذا كانت الثقافة والفنون هما جناحا العلو لأي دولة فإن العلوم الكونية هي رافعة العلو والتقدم وحامية الثقافة والفنون.

وبالتكامل بين العلوم الكونية والثقافة والفنون تتقدم الأمم التقدم العلمي الإنساني وترشد سلوك الإنسان لتعمير الكون بنواميس الله في الخلق، وتسمو بوجدانه.

كذلك لا ننسى دور الدين في علو الأمم وتقدمها وتحضرها، فبالدين تعلم الإنسان دوره الحقيقي في تعمير الكون والحفاظ على الإنسان بنيان الله في الأرض وإبعاده عن الإفساد فيها ويبين له دوره الحقيقي في هذه الحياة ويبعده عن التخبط في العبادة وفي استغلال نعم الله في الأرض ويحرم عليه القتل والزنا والغش والرشوة وقطع الطرق وترويع الآمنين، ويطلعه على حقيقة الكون ومراحل الحياة من الذر إلى النطفة والعلقة والحياة الدنيا، وحقيقة الموت والبعث والحساب، ويعده للسعادة الأبدية في الحياة الباقية في الجنة التي أعدها الله للمصلحين المؤمنين في الحياة الدنيا، كما يحذره من النار والعقاب، وبالدين يسير الإنسان في الحياة الدنيا على هدى من الخالق سبحانه وتعالى كما قال تعالى: (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) طه (50)، وأنه سبحانه خلق كل شيء لغاية مقدرة، وبتقدير مقدر، وأنه لا عشوائية ولا مصادفة في الخلق وأن الأمر يجب أن يسير وفق مراد الخالق سبحانه وتعالى وأن الإنسان محاسب على كل عمل يأتيه بالسلب أو الإيجاب، كما حرم الله الظلم والفساد في الأرض والطغيان على العباد، وكل ما هو معلوم لنا في مجال الدين النعمة الكبرى من الله لعباده، وأن الله سبحانه خلق الإنسان وخلق الكون وقدر في الأرض ما يصلح حياة الإنسان وجميع الكائنات الحية عليها.

ما لم نهتم بالتكامل والترابط بين العلوم الكونية والدين ونرشد الفنون والثقافة ستتحول حياتنا إلى ضنك وعذاب وشقاء، وسيبيد الإنسان أخاه الإنسان من أجل المقدرات الحياتية على الأرض.

إن إهمال تربية الأجيال العربية على أهمية العلوم الكونية سيؤدي إلى التخلف الدائم في حياتنا العربية، وستكون الثقافة والفنون في تهديد دائم ممن يملكون أدوات التدمير الشامل والاستعمار الكامل، لذلك قال الله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»، قوة تخيف المعتدين الذين تسول لهم أنفسهم القضاء على ثقافتنا أو الانحراف بفنونها أو الاستهانة بقدراتنا أو تضييع الأمن من حياتنا كما قال تعالى «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» قريش (3ـ4)، فمن دعائم العلو في الآيات السابقات عقيدة صحيحة (فليعبدوا رب هذا البيت)، أمن غذائي (الذي أطعمهم من جوع)، الأمن الداخلي والخارجي (وآمنهم من خوف).

وهذه من أهم دعائم العلو والرقي للأمم عامة وللعرب وللبحرين خاصة، فهل من مذكر؟!

ملحوظة مهمة: كلمة الفنون في الحضارة الإسلامية تشمل العلوم بكل فروعها المختلفة.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٤٦٨ – الجمعة ٦ فبراير ٢٠١٥ م، الموافق ١٧ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ