وضع الله سبحانه وتعالى لأمة الإسلام وللمسلمين أهم دعائم تقدمهم وحضارتهم، وعندما استمسكوا بها بنوا حضارة يتيه التاريخ بها، ولما تخلينا عنها تخلفنا تخلفًا ذريعًا، وأصبحنا في ذيل الأمم وخاصة في البلاد العربية وملئت أسواقنا ببضائع غير المسلمين، ولبسنا من مصانع غيرنا، وأكلنا من الإنتاج الزراعي لغيرنا، واستوردنا مناهج غيرنا وخاصة في العلوم الكونية وتخلفنا في مناهج اللغة العربية والعلوم الشرعية، والحل هو: العودة إلى التمسك بديننا واتباع ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى مع تجنب الغلو والفهم الخاطئ لهذا الدين العظيم. قال تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 101-103).

(وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ): أي يتوكل عليه ويحتمي بحماه (فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، وهذا فيه الحث على الاعتصام بالله سبحانه وتعالى وأنه السبيل الوحيد إلى السلامة والهداية.

أما الآيات التالية فآيات فيها حث الله عباده المؤمنين على أن يقوموا بشكر نعمه العظيمة بأن يتقوه حق تقاته، وأن يقوموا بطاعته وترك معصيتيه مخلصين له بذلك وأن يقيموا دينهم ويستمسكوا بحبله الذي أوصله إليهم، وجعله السبب بينهم وبينه وهو دينه وكتابه، والاجتماع على ذلك وعدم التفرق، وأن يستديموا ذلك إلى الممات.

وذكّرهم بما هم عليه قبل هذه النعمة وهو أنهم كانوا أعداء متفرقين، فجمعهم بهذا الدين وألف بين قلوبهم وجعلهم إخوانًا، وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم من الشقاء، ونهج بهم طريق السعادة، لذلك بين (اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، إلى شكر الله والتمسك بحبله، وأمرهم بتتميم هذه الحالة، والسبب الأقوى الذي يتمكنون به من إقامة دينهم بأن يتصدى منهم طائفة، كما قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 104-105).

أمرهم الله بتتميم هذه الحالة، والسبب الأقوى الذي يتمكنون به من إقامة دينهم بأن يتصدى منهم طائفة يحصل فيها الكفاية (يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ) وهو الدين: أصوله وفروعه وشرائعه (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو: ما عُرف حسنه شرعًا وعقلاً (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلاً (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المدركون لكل مطلوب، الناجون من كل مرهوب، ويدخل في هذه الطائفة أهل العلم والتعليم والمتصدون للخطابة ووعظ الناس عمومًا وخصوصًا والإعلاميون والكتّاب والمؤلفون والمعلمون، فكل من دعا الناس إلى خير على وجه العموم أو على وجه الخصوص أو قام بنصيحة عامة أو خاصة فإنه دخل في هذه الآية.

ثم نهاهم عن سلوك مسلك الذين جاءهم الدين والبينات الموجب لقيامهم به واجتماعهم فتفرقوا واختلفوا وصاروا شيعًا، ولم يصدر ذلك عن جهل وضلال وإنما صدر عن علم وقصد سيئ وبغي من بعضهم على بعض، ولهذا قال: (وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) يوم القيامة. (تيسير الكريم الرحمن، مرجع سابق).

إذن من عوامل القوة والنجاح والتقدم في الآيات هي:

ـ الاعتصام بالله.

ـ تقوى الله حق تقاته.

ـ العيش على الإسلام حتى الموت عليه.

ـ الاعتصام بحبل الله.

ـ شكر نعمة الله على الأخوّة والمحبة.

ـ تخصص فيه للدعوة إلى الخير والتربية والتعليم وتفهيم الناس الدين.

ـ الأمر بالمعروف بضوابطه الشرعية.

ـ النهي عن المنكر بضوابطه الشرعية.

ـ عدم التفرق والاختلاف المفضي إلى التنازع والفشل.

ومن عوامل التخلف والفشل استنتاجًا مما سبق:

ـ البعد عن الدين.

ـ الاستهانة بحقوق الله.

ـ البعد عن سلوك الإسلام.

ـ كفران النعمة.

ـ عدم المبالاة بتربية الناس وتعليمهم.

ـ عدم الأمر بالمعروف.

ـ عدم النهي عن المنكر.

ـ التفرق والتنازع والفشل

قال تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (الأنفال: 46-47).

وعندما فعل المسلون واتبعوا عوامل النجاح قال الله تعالى لهم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..) (آل عمران: 110).

هذه الآيات تثبيت للمؤمنين على ما هم عليه من الاعتصام بالله والاتفاق على الحق والدعوة إلى الخير، وتربية وترغيب لهم في المحافظة على مزيتهم باتباع الأوامر وترك النواهي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.

ففي الآيات يخبر الله تعالى الأمة الإسلامية بأنها خير الأمم في الوجود مادامت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله إيمانًا صحيحًا صادقًا كاملاً، وتظل الخيرية لهذه الأمة مادامت تؤمن بالله حق الإيمان، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

والإيمان المطلوب: هو الموصوف بقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات: 15).

وقوله أيضًا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال: 2).

وهكذا يُعْلمنا الله تعالى بالأسباب في خيريتنا، فهي أسباب عملية إيمانية، وليست أسبابا عرقية وراثية كما يقول اليهود والنصارى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة: 18) فيرد الله عليهم بما يفند هذا الاعتقاد الخاطئ علميًا (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (المائدة: 18).

فالله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب ولكن الخلق عند الله بالنية الحسنة والطاعة وفق منهاج الله.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم. (تيسير الكريم الرحمن، مرجع سابق).

وللحديث بقية بإذن الله.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد : ١٣٦٠١ – الجمعة ١٩ يونيو ٢٠١٥ م، الموافق ٢ رمضان ١٤٣٦ هـ