خلقنا الله سبحانه وتعالى وأنعم علينا بنعم لا تحصى ولا تعد وأرشدنا إلى أكل المفيد والبعد عن الممرض وغير المفيد والضار، وحرم علينا الفواحش والبغي والشرك والحديث بلا علم فقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 31-33].

يقول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)؛ أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن كما أن كشفها يدع البدن قبيحًا مشوهًا ويحتمل أن المراد بالزينة ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن. ثم قال: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ) مما رزقكم من الطيبات (وَلاَ تُسْرِفُواْ) في ذلك بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي تضر الجسم. [تيسير الكريم الرحمن، مرجع سابق].

وبذلك تتضح التعاليم الإسلامية بالنظافة والتزين المباح عند الاجتماعات العامة والصلوات، ويتضح الهدي الإسلامي في عدم الإسراف والخروج عن الحدود المطلوبة، وقد ثبت أن الإسراف في الأكل هو السبب الرئيس لأمراض القلب وتصلب الشرايين والنقرس، والكلوستيرول والسكري والضغط وفي هذا الاعتدال حماية للإنسان من أمراض السمنة وما يترتب عليها من أمراض منتشرة بين المسرفين هذه الأيام.

(إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فالله يبغض السَّرف، وهو يضر الإنسان في بدنه ومعيشته، حتى أنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب والنهي عن تركها والإسراف فيهما. [تيسير الكريم الرحمن، مرجع سابق].

يقول الله تعالى منكرًا على من تعنت وحرّم ما أحل الله من الطيبات: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ): من اللباس على اختلاف أصنافه، (وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) من مأكل ومشرب بجميع أنواعه، أي: من هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم الله به على العباد من النعم، ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسعة الله؟ وهذا التوسيع من الله لعباده بالطيبات جعله لهم ليستعينوا به على عبادته فلم يبحه إلا لعباده المؤمنين ولهذا قال: (قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي: لا تبعة عليهم فيها.

ومفهوم الآية (كما قال ابن السعدي) رحمه الله: أن من لم يؤمن بالله (المنعم بهذه النعم) بل استعان بها على معاصيه فإنها غير خالصة له، بل يعاقب عليها وعلى التنعم بها، ويسأل عن النعيم يوم القيامة) (انتهى).

فالذين يستغلون نعم الله من الجمال في معصية الله، وكذلك المناصب والجاه والمال والطعام والدواء هؤلاء سوف يحاسبون حسابا عسيرا يوم الحساب على ما فعلوه في نعم الله عليهم واستغلالها في محاربة الله، فالمتنفذون الذين يحاربون تطبيق شرع الله بنفوذهم، والكتاب الذين يروجون بكتاباتهم للمعصية والاستهانة بشرع الله، والمعلمون الذين يعلمون الناس نظريات التمرد على الله والكفر والالحاد، والأثرياء الذين يروجون للمحرمات ومن على شاكلتهم سوف يجدون أنفسهم يوم القيامة محاسبون على نعم الله من المأكل والمشرب والملبس، والمنصب، والعلم والمال والجاه فيدفعون مقابل منفعتهم الدنيوية بها ويدفعون مقابل المعاصي التي تسببت تلك النعم عليهم في نشرها، (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ) أي نوضحها ونبينها (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) لأنهم الذين ينتفعون بما فصله الله من آيات وما تفضل به من النعم، ويعلمون أنها من عند الله فيعقلونها ويفهمونها ويعملون بها. [المرجع السابق]، ولا يفعلون كما فعل قارون عندما بغي بماله وجاهه وسلطانه وعمله وحاشيته وقال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص: 78] وفتن الناس بنعم الله (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص: 80] (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص: 81] وعقب الله على ما حدث بقوله (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [القصص: 83-84].(وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف: 49].

ثم ذكر سبحانه وتعالى المحرمات التي حرمها في كل شريعة من الشرائع فقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ)؛ أي: الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعتها وقبحها عند أصحاب الفطرة السوية من الناس، كالزنا، وفعل قوم لوط ونحوهما، وقوله (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) أي الفواحش التي تتعلق بحركات البدن والتي تتعلق بحركات القلوب؛ كالكبر والعجب والرقص الماجن والتمثيل الهابط والمشي المخل، والرياء والنفاق ونحو ذلك، (وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ): أي: الذنوب التي تُؤثِم وتوجب العقوبة، والبغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فدخل في هذه الذنوب المتعلقة بحق الله والمتعلقة بحق العباد (وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً) أي حُجة، بل أنزل الحُجة والبرهان على التوحيد وتحريم الشرك، والشرك هو أن يُشْرَك مع الله في عبادته أحد من خلقه، وربما دخل في هذا الشرك الأصغر؛ كالرياء، والحلف بغير الله ونحو ذلك.

(وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ): في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه؛ فكل هذه قد حرمها الله ونهى العباد عن تعاطيها، لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة، ولما فيها من الظلم والتجرؤ على الله والاستطالة على عباد الله وتغيير دين الله وشرعه. (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون) [الأعراف: 34]، [المرجع السابق].

وهكذا هذه الآيات تصلح حال الأمة والناس إن هم تعلموها وعملوا بها.

وللحديث بقية بإذن الله

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد : ١٣٦٠٦ – الأربعاء ٢٤ يونيو ٢٠١٥ م، الموافق ٧ رمضان ١٤٣٦ هـ