ينتاب العالم حالة من الرعب والخوف من نعمة الله العظمى، هذا الرعب وهذا الخوف له مبرراته التي تجعلهم يخافون لأنهم درسوا تاريخ تلك النعمة جيدا وعملوا على مسخها عند أتباعها ومسحها من ذاكرتهم التاريخية، إنهم يعلمون أن هذه النعمة اهتمت اهتماما كبيرا ببناء الإنسان المؤمن القوي القادر على التغلب على كل العقبات والمشكلات الدنيوية، إنسان سوي لا يهاب الموت ويعرف حقيقة الحياة الدنيا، فكانت النتيجة جيلا متميزا تخرج من مدرسة المتميزين الأولى في العالم بقيادة المعلم الأول في بني آدم.

وصف الله سبحانه وتعالى هذا الجيل في قوله تعالى: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» الأحزاب (23).
فكانت صفاتهم هي الرجولة والإيمان والصدق والوفاء بالعهد مع الله والثبات على الحق وهذه عوامل مهمة لتفجير طاقات الإنسان، فبالإيمان استصغر المؤمنون كل شيء، وعلموا أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء في الحياة الدنيا، وبذلك عرفوا حقيقة الحياة الدنيا وأنها مزرعة للحياة الباقية، فاجتهدوا فيها وعمروها وأخذوا بالأسباب فيها وعيونهم على الحياة الباقية، وقلوبهم متعلقة بالكبير المتعال رب كل شيء ومليكه، لذلك دخل ربعي بن عامر بملابسه البالية وحيدا على فرسه النحيل حاملا سيفه، دخل على رستم قائد الفرس الذي تزين بكل غال وثمين وفرش كل مبهر، ووقف جنده حوله في طوابير عسكرية في زينتهم، وعندما أرادوا تخويف ربعي وتجريده من سلاحه وفرسه قال لهم: أنتم الذين استدعيتموني وإما أن أدخل بما أريد أو أعود من حيث جئت، دخل بفرسه بدايات البساط العجمي اليدوي الفارسي وربط الفرس في حلية البساط، ثم أخذ يضرب بنهاية سيفه على النمارق فمزقها ليدخل الرعب في قلوبهم، ثم تحدث حديثا أبهر رستم قائد الفرس، وعندما استهانوا بسيفه جربه أمامهم فزلزل نفوسهم وعاد ربعي إلى رفاقه وعندما سأله أحدهم كيف فعلت ذلك يا ربعي قال: والله رأيتهم كدمى صغيرة أمامي.
هكذا حول الإيمان ربعي وحوله الصدق مع الله إلى هذه الحالة الإيمانية التي زلزلت رستم وجنوده ورآهم كدمى صغيرة لا قيمة لها.
وفي غزوة ثلاثة آلاف مسلم يقاتلون مائتي ألف رومي وأعرابي مدة أسبوع، ويُقتل من الروم والأعراب خلق كثير ويقتل من المسلمين اثنا عشر رجلا، منهم الثلاثة الذين عينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيادة الجيش ورجع المسلمون كرارا إلى المدينة المنورة بعد أفضل عملية انسحاب حربي في تاريخ البشرية.
وفي فتح القسطنطينية يرفع المسلمون السفن فوق الجبال تفاديا للسلسلة الحديدية في المدخل المائي ويفاجأ سكان القسطنطينية بالمسلمين يدخلون عليهم من أبواب وفتحات وأسوار الحصن هذا الجيش آمن ببشرى النبي صلى الله عليه وسلم لجنده وقائده في الدعوة المشهورة للجيش الفاتح للقسطنطينية التي حمل المسلمون أبا أيوب الأنصاري ميتا على أكتفاهم لدفنه عند أسوار القسطنطينية تيمنا بفتحها والنصر على سكانها وجيشها.
وهذا جيش العسرة يخرج في الحر الشديد من المدينة المنورة ويصل إلى تبوك ويرعب العدو ويبرم المصطفى صلى الله عليه وسلم معاهدة مع حاكم أيلة ويرعب الروم بعدما كانوا يفكرون في غزو المدينة المنورة وأسر المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا جيش أسامة يصل إليهم بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأيام ليرعبهم ويحذرهم من الغدر بالمسلمين.
ولم يكن صدق المسلمين مع أهل البلدان المفتوحة في ميدان القتال فقط، بل كان صدقهم معهم في الالتزام بالأخلاق الإسلامية حيث أرجعوا لأهل حمص الجزية لعجزهم عن الدفاع عنهم، وخرجوا من سمرقند بعد فتحها لأنهم لم يمهلوهم بحسب القانون الإسلامي ثلاثة أيام قبل بدء القتال.
لقد حول الإسلام الإنسان المسلم إلى انموذج فريد في الصبر والشجاعة والطاعة والصدق والوفاء بالوعود فتفجرت فيه الطاقات التي جعلتهم يفتحون القلوب والبلدان ويشيدون العمران ويلتزمون بآداب الحرب الإسلامية التي وصى المصطفى صلى الله عليه وسلم المجاهدين فيها وعلمهم ألا يقطعوا شجرة مثمرة ولا يلوثوا مياه نقية، ولا يقتلوا النساء أو الأطفال ولا يقاتلون إلا المقاتلين.
وقد عصيت البلاد الإسلامية على الاستعمار والحروب الصليبية عندما كان المسلمون رجالا مؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يغيروا أو يبدلوا في عقيدتهم أو دينهم أو عهودهم.
لذلك سعى أعداء الله إلى صرف المسلمين عن إيمانهم ورجولتهم وصدقهم وثباتهم على الحق، وكانت البداية بهدم وحدتهم ورمز قوتهم الخلافة الإسلامية، ثم زرع الفتن العرقية والعصبية بينهم وتمزيق ديارهم وتحويلها إلى دويلات متناحرة فيما بينهم وأحيوا فيهم عصبية الجاهلية والنعرات الطائفية والخلافات المذهبية، ثم تسلطوا عليهم بالأفلام الهابطة والأغاني الماجنة والمسلسلات اللاهية والطبقة المثقفة المستغربة، ونشروا الشيوعية والعَلمانية لفصل دينهم عن سياستهم وتجارتهم وصناعتهم وزراعتهم وتربيتهم، فعلوا بهم كل ذلك وهم يعلمون أن هذه الأمة تمرض ولا تموت وأن جذوة الإسلام كامنة في نفوس الشعوب الإسلامية وهي تتوق إلى العودة إلى دينها بعدما جربت الفساد الخلقي والتربوي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتعليمي الذي زُرع في ديارها.
أعداء الله يعلمون عناصر قوة المسلمين، وهم يعملون ليل نهار على إبعادهم عنها لذلك هم يرعبون ويخافون من عودة المسلمين لإسلامهم الباني للرجولة والمحقق للإيمان والصدق مع الله والثبات على الحق والدين.
لقد لعب المعتمد البريطاني دنلوب دورا كبيرا في إفساد المناهج الدراسية في ديار المسلمين وخاصة في البلاد العربية وقسم التعليم إلى تعليم ديني متدني المناهج وإعداد المعلمين والأهداف والتنفيذ والتقويم والتوظيف وتعليم مدني متقدم المناهج وإعداد المعلمين والأهداف والتنفيذ والتقويم والتوظيف لدرجة أن أحد البنوك الوطنية في أحد الدول العربية طلب موظفين واشترط أن يكونوا من خريجي المدارس الأجنبية في التعليم العام وبذلك منعوا خريجي المدارس الحكومية من التوظيف حتى لو كانوا يجيدون اللغة الإنجليزية إجادة تامة ومن المتفوقين في التعليم العام والتعليم الجامعي، إنها السياسة الدنلوبية الاستعمارية التي مازالت تطبق في ديارنا العربية والإسلامية.
نحن أمة أعزنا الله سبحانه وتعالى بالإسلام وسدنا العالم عندما التزمنا بهذا الدين، وتخلفنا عندما تخلينا عن الإسلام ولا عزة لنا إلا بالعودة إلى هذا الدين، لذلك هم يرعبون من أي خطوة تعيدنا إليه، ويعملون بكل جهودهم إلى غياب الإسلام عن حياتنا لنظل عبيدا لمصانعهم ومزارعهم وتربيتهم وسياستهم ويتمكنون من استحمارنا وسرقة ثرواتنا الطبيعية والعقلية فمتى نفيق ونغير ما بأنفسنا من الضعف والذل والهوان والتبعية لنصبح كما أرادنا الله تعالى خير أمة أخرجت للناس؟! ومتى يقنع أعداء الله أن أعظم نعمة على العباد وأتمها هو كمال الدين كما قال تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» المائدة (3).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٤٠٥ – الجمعة ٥ ديسمبر ٢٠١٤ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٣٦ هـ