يشمل التنوع الحيوي جميع أجناس وأنواع وأصناف الكائنات الحية في البيئة الأرضية والترابط الجيني بينها والإنسان جزء من هذه البيئة يتأثر بها وتتأثر به، وقد خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات الحية لخدمة

الإنسان ومساعدته على تعمير الكون بنواميس الله في الخلق، وليستمد منها مقوماته الحياتية من غذاء ودواء وكساء وأكسجين يتنفسه قال تعالى ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً …” (البقرة-29).

ولم يخلق الله سبحانه وتعالى المخلوقات الأرضية عبثا بغير نظام بديع، بل قدر سبحانه كل شيء تقديرا وأوجده في بيئته الصالحة له ولمن حوله بتقدير معجز كما قال تعالى “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” (القمر-49)، وأمرنا الله سبحانه وتعالى بمقابلة إحسانه بالإحسان منا فقال تعالى “وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ” (القصص-77)، فكما أحسن الله تعالى إلينا بالأجناس والأنواع والأصناف وتحت الأصناف الحية فيجب علينا أن نحسن بالحفاظ عليها وحمايتها ورعايتها وعدم إهلاكها، وخلاف ذلك يعتبر إفسادا في البيئة الأرضية، لذلك قال تعالى ” وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا…” (الأعراف-85).

وعلى كل فرد منا وكل جماعة وكل شعب أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الأرض لفئة واحدة من عباده، بل خلقها للناس جميعا مؤمنهم وكافرهم شاكرهم وجاحدهم فمن عمرها عمرت ومن أهملها خربت، وجعل الله تعالى ترابطا وتكاملا وتأثيرا عجيبا ومعجزا بين بيئات الأرض المختلفة، فقال تعالى ” وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ” (الرحمن-10) أي للخلق جميعا وللمخلوقات الحية كلها من حيوان ونبات وكائنات حية دقيقة وما لا نعلم من مخلوقاته الأرضية.

وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الحفاظ على تلك البيئة الأرضية، ورغبنا في تعميرها لآخر لحظة فيها وفي حياتنا فقال صلى الله عليه وسلم “إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها” وقال صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة” رواه البخاري.

إنه تعمير للأرض ودعوة لاستغلال مواردها الاستغلال الأمثل، حتى آخر وقت في الحياة وطوال الحياة، وإذا اهتدينا بهذا الهدي النبوي ما وجدنا قطعا عشوائيا للأشجار أو رعيا جائرا للنبات وما وجدنا استغلالا سيئا لموارد المياه عصب الحياة في البيئة الأرضية كما قال تعالى “… وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” (الأنبياء-30(.

وأمرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بالحفاظ على البيئة الأرضية من التلوث فقال صلى الله عليه وسلم “لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه” رواه البخاري.

وفي هذا الهدي حفاظ على الموارد المائية وعلى الصحة العامة من انتقال الأمراض وإتمام دورات حياتها المائية، ونهى صلى الله عليه وآله وسلم عن استخدام الحيوان غرضا للرماية ولعن من يفعل ذلك.

وقد نشرت مجلة البيئة والتنمية في ملحقها الجريدة الخضراء أن البيئة العربية والتنوع الحيوي (البيولوجي) فيها مهددان بالانقراض نتيجة للأنشطة الجائرة للإنسان فأرز لبنان، تلك الشجرة الكبيرة الجميلة المفيدة، مهددة بتغير المناخ نتيجة لتكاثر الحشرات التي تغزوها وانتقال نباتات منافسة إلى مواقعها العالية بسبب ارتفاع درجة الحرارة وأن:

(46%)  من الأنواع في بيئة عمان مهددة بالانقراض.

(250)نوعا متوطنا في جزيرة سقطرة باليمن مهددة بالانقراض.

(20) ألف كيلومتر مربع من مناطق الشعاب المرجانية على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي مهددة بالانقراض.

(1048) نوعا من النبات والحيوان في المنطقة العربية مهددة بالانقراض.
كما أن غابات نبات القرم في بيئة المنغروف على السواحل العربية تتناقص بسبب النمو العمراني العشوائي والتلوث.

كما أن النباتات الطبية والعطرية والبرية في البيئة العربية مهددة بالاستخدام العشوائي والقضاء على بيئتها الطبيعية.

إنها حقائق وأرقام مفزعة ومخيفة لكل عاقل يعيش على ارض وطننا العربي، ووطننا الحبيب، وعلى سطح الكرة الأرضية.

والآن ليسأل كل واحد منا نفسه:

   ما مسئوليتي تجاه بيئتي الأرضية التي استمد منها الهواء والماء والغذاء والدواء والصحة والعافية والجمال والحيوية؟

وما الجهات العلمية المعنية بهذا الأمر لكي نتعاون معها في إيقاف هذا الخطر المحدق بنا جميعا؟

إن قضاء ساعة في تنظيف البيئة المحلية ثوابه عظيم عند الله امتثالا لقول الله تعالى ” وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (القصص-77).

فاللهم اجعلنا من المصلحين في الأرض وجنبنا أن نكون من المفسدين فيها

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي -العدد 11956 – الجمعة 17 ديسمبر 2010م الموافق 11 محرم 1432هـ