نأخذكم اليوم في جولة علمية إلى مجمعات مصانع تثبيت الطاقة الشمسية الفريدة، تلك المصانع التي ظلت مخفية عن البشرية لملايين السنين، وكانت تعمل بإتقان عجيب وهدوء وتقدير وبلا كلل أو ملل طوال هذه السنين، إلى أن تقدم علم الانسان فاكتشفها الباحثون العلميون، فاندهشوا من دقة صنعها، وإتقان عملها، قال العلمانيون (بفتح العين) خلقتها الطبيعة، وقال المؤمنون سبحان الخالق العظيم.
يتكون هذا المصنع من عنابر هي وحدات مجهرية، تقوم كل وحدة فيه بعملها لإنتاج الطاقة الحيوية والغذاء العضوي والطاقة من أشعة الشمس وحرارتها وثاني أكسيد الكربون الجوي أو الكربونات المائية في النباتات المائية، والماء وكل هذه الخامات متوافرة في البيئة الأرضية ويتعذر على الإنسان احتكارها عن الآخرين، كما تستغل المخلفات العضوية الحيوانية والنباتية والبشرية والبكتيرية والفطرية وتحولها إلى مواد غذائية حلوة الطعم عظيمة الفائدة وخالية من الملوثات والإضافات الضارة والممرضة، هذه المصانع هي الوحيدة في مصانع العالم التي لا تلوث البيئة الأرضية، ولا تحدث ضجيجا، وهي تنتج السكريات والدهون والبروتين والفيتامينات والأصماغ والأصباغ والادوية والشموع والراتنجات وغيرها من المنتجات النباتية، وتغلف هذه المواد آليا بعد تصنيعها وترسلها إلى وحدات التخزين والتوزيع، حيث يتم حفظها في عبوات حيوية صغيرة وكبيرة يمكن للإنسان والحيوان استهلاكها من دون فوائض أو إسراف أو هدر، تلك العبوات جميلة الشكل متعددة الألوان والحجوم والروائح والفوائد والتركيب، نراها في الأسواق على هيئة تفاح أو بطيخ أو تين أو أي منتجات نباتية ثمرية أو جذرية أو ورقية أو زهرية وتحتوي العبوة (الثمرة) الواحدة على الطاقة والألياف والفيتامينات والمعادن والأملاح الحامية من الأمراض وسوء التغذية وهي سهلة القضم، والهضم والامتصاص بالتمثيل الغذائي داخل الأجسام البشرية والحيوانية وبخلايا الكائنات الحية الدقيقة.
هذه المصانع دقيقة الصنع، سهلة الحمل والاقتناء والانشاء والصيانة والرعاية، إنها أقدم وأعظم وأصغر وأدق مصانع الغذاء والطاقة في العالم.
هذه المصانع هي التي انتجت: كل بترول العالم، وكل خشب العالم، وكل مطاط العالم، وكل دهن العالم، وكل شموع العالم، وكل أكسجين العالم، وكل الحبوب والبذور والثمار والأعلاف والألياف في العالم، فهي المصدر الأول لغذاء الحيوان والكائنات الحية الدقيقة وبالتالي منتجاتها الحيوية.
هذه المصانع والمجمعات الصناعية هي الأوراق النباتية وبلاستيداتها الخضراء، قال أحد المندهشين من الوصف السابق صف لنا بعلمك ودراستك هذه المصانع والتجمعات الصناعية العجيبة والفريدة.
قال المسؤول: تخرج هذه الأوراق الخضراء الغضة الطرية الرقيقة الجميلة من السيقان والفروع النباتية الخشبية الصلبة مغلظة الجدر، ولكل جنس نباتي في العالم أوراقه المميزة له والخاصة به تحمل ماركة النبات وأختامه الربانية المعجزة.
تتركب هذه الورقة عامة -وكما قلنا في مقالات سابقة- من قاعدة متصلة بالنبات، يليها العنق أو الحامل وهو يمتد ليكون الدعامة (أو العرق) الوسطي الرئيس للورقة وباقي العروق أو العريقات ممتدة في شبكة دقيقة من قاعدة الورقة إلى قمتها، يلي العنق النصل وهو الجزء المفلطح من الورقة المدعم بالعروق والعريقات وتتم فيه عملية تثبيت الطاقة الشمسية بعملية البناء الضوئي المعجزة، تلك العملية الحيوية التي أنتجت كل المنتجات النباتية في العالم. وللأوراق النباتية أشكال متباينة منها البسيط، والمركب، والمتضاعف والعريض والسهمي والإبري كما قلنا في مقال سابق.
وللورقة النباتية بشرة خارجية رقيقة تحيط بالتراكيب والعضيات الداخلية للورقة إحاطة تامة ماعدا بعض الفتحات والشبابيك الصغيرة المسماة بالثغور المركزة عادة على السطح السفلي للورقة، وبشرة الورقة مغلفة بطبقة شمعية دهنية رقيقة للغاية للحفاظ على الماء والمواد والتراكيب الداخلية للورقة.
فهل يتصور عاقل أن هذه الطبقات وجدت بالمصادفة والعشوائية كما يدعي أصحاب نظرية المصادفة والعشوائية في الخلق والمسماة بنظرية التطور؟!!
وللورقة من الداخل نسيج متوسط يشغل المساحة بين البشرتين العليا والسفلى وهو يحتوي على البلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية البناء الضوئي، وتنتشر في الورقة -كما قلنا سابقا- أوعية (انابيب) خشبية لإمداد الورقة بالماء والأملاح والمعادن والغذاء، وفي الورقة أوعية تسمى باللحاء مسخرة لنقل المنتجات المصنعة في الورقة إلى أماكن تخزينها وتغليفها وحمايتها وتصديرها، والبلاستيدات الخضراء تراكيب مجهرية ذات شكل وبناء هندسي معجز ورائع وفعال، فهي عضيات يتراوح قطرها بين (4) و(6) ميكرون، وبداخل تلك البلاستيدات تراكيب قرصية الشكل تسمى بالجرانا (grana) وهي تكون وحدات فائقة التركيب والوظيفة في البلاستيدات الخضراء، يصل بين الجرانا أغشية فائقة التوصيل تسمى بالثلاكويدات (thall koids) وكل هذه التراكيب محاطة بسائل حيوي يسمى الحشوة (stroma).
تمتص البلاستيدات الخضراء الموجات الضوئية الشمسية، وتشطر الماء إلى هيدروجين يستغل في إنتاج الغذاء واكسجين يتصاعد إلى الجو عبر الثغور ويتم تثبيت كربون ثاني أكسيد الكربون الجوي أو كربونات الماء في البحار والأنهار فيتكون أول جزيء من المواد الكربوهيدراتية التي تتحول إلى البروتين والدهن والمنتوجات النباتية، ويتم ذلك في دورات حيوية مبدعة ودقيقة للغاية.
إذا غاب إنتاج هذه المصانع هلكت الكائنات الحية الأرضية واختفت الحياة من على الأرض رغم توافر الماء وضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون.
والعاقل والعالم يسأل نفسه هل وجدت هذه المصانع والمجمعات الصناعية منذ بداية الحياة على الأرض بالمصادفة والعشوائية ومن دون موجد عليم خبير مبدع وقادر ولطيف بخلقة؟!
هل تستطيع المصادفة إيجاد هذا التركيب الدقيق والمعجز والمنظم من العدم؟!!
إن الورقة النباتية تعلّمنا وتعْلمنا أن للكون خالق عليم خبير رحيم قادر على إبداع هذه الأوراق على غير مثال سابق.
هذه الورقة تتحدى كل ملحد وكل كافر أن يأتي بمثلها إن استطاع. أما إن فشل، وهو بكل تأكيد سيفشل فعليه أن يراجع نفسه ومعتقده في الخلق والوجود.
نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٤٦٣٧ – الجمعة ٢٠ أبريل ٢٠١٨ م، الموافق ٠٤ شعبان ١٤٣٩هـ