النمل من الحشرات الاجتماعية التي تعيش في جماعات متآزرة متخاطبة متفاهمة متفاعلة ومن غير هذه السلوكيات ما بقيت جماعة النمل ولتشتت وتاهت وتحطم نظامها الجماعي المعجز

وقد اهتم القرآن الكريم بالنحل وكيفية خروجه وعودته بالمحصول إلى الخلية، واهتم بخطاب الهدهد لسيدنا سليمان، وقد عجب الناس لذلك ولكن العلم الحديث، والتجريب العملي في علم الحيوان وسلوكه أثبت أن تلك الحيوانات تتفاهم بلغات خاصة فالنحل يتفاهم بلغة كيماوية وبالتلامس والرقص والذبذبات الصوتية كما بينا في تغريدة عن النحل وعن النمل قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَتَواْ عَلَى وَادِ النَّملِ قَالَت نَملَة يَأَيُّهَا النَّملُ ادخُلُواْ مَسَكِنَكُم لَا يَحطِمَنَّكُم سُلَيمَنُ وَجُنُودُهُ وَهُم لَا يَشعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا مِّن قَولِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوزِعنِي أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَلِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صَلِحا تَرضَهُ وَأَدخِلنِي بِرَحمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّلِحِينَ) [النمل: 18-19].

والثابت علميًا أن النمل يتخاطب كيماويًا بالفرمونات [Phorooness] وهي مواد كيماوية ذات رائحة مميزة ينتجها النمل من غدة خاصة أو من المعي الخلفي، ويوزع الفرمون عن طريق إبرة اللسع أو حافة الفاصل الحلقي الاسترية الباطنية السادسة أو فتحة الشرح، ويستخدم النمل الفرمونات في معرفة الطريق، وبعضها يستخدم في تعريف الشغالات بموضع الطعام. (الحشرات التركيب والوظيفة، ر.ف شايمان «مترجم» الدار العربية للنشر والتوزيع، ط.1. ج 2. ص: 427. 1987م).

وأثناء الخطر تطلق الشغالات إنذارات فيرمونية تنطلق انطلاق صفارات الإنذار لكل نوع من الخطر نوع الفرمونات كما يتفاهم النمل باللمس الجسدي للأفراد والذبذبات الصوتية التي تنتشر في المكان ونحن نعلم أن الصوت عبارة عن ذبذبات ترسل من المكان المرسل ويتم استقبال هذه الذبذبات بالمستقبل الذي يترجم هذه الذبذبات وقد يحولها إلى أصوات كما هو الحال في الراديو والتلفاز والتليفون وغير ذلك من أجهزة الاستقبال.

وفي الآيتين السابقتين العديد من الحقائق العلمية أولها وجود واد للنمل به مساكن النمل وعشوشها وبيوتها وجماعتها، (قَالَت نَملَة): النملة؛ شاهدت جيوش سيدنا سليمان مقبلة على وادي النمل، وهي مكلفة بالمراقبة والحراسة والحماية، وهذا القول يكون بالذبذبات بعد إطلاق صفارات الإنذار الفيرمونية بكل تأكيد، وقد علَّم الله سبحانه وتعالى سيدنا سليمان منطق الطير ولغة الحيوان قال بعض المفسرين عن قول النملة: إن هذه الآية من عجائب القرآن لأن (النَّملُة) بلفظة (يَا) نادت (أَيُّهَا): نبهت، (النَّملُ) عينت، (ادخُلُواْ) أمرت وأرشدت، (مَسَكِنَكُم) نهت (لَا يَحطِمَنَّكُم) حذرت، (سُلَيمَنُ) خصت، (َجُنُودُهُ) عمت، (وَهُم لَا يَشعُرُونَ) عذرت. (تفسير ابن الجوزي، ج: 6. ص: 162. عن كتاب منهج القرآن في دعوة المشركين إلى الإسلام، حمود الرحيلي، مرجع سابق، ج: 1. ص: 380).

وقد سمع سيدنا سليمان قول النملة وتبسم وضحك من إنذارها وحرصها على جماعتها وهذا درس في أهمية العمل الجماعي، والحرص على سلامة المجتمع وحمايته، وأن نعم الله تحتاج إلى شكر لله عليها، وتتطلب العمل الصالح الذي يرضي الله سبحانه وتعالى وأن يكون خالصًا لله صوابًا على منهاج علمي وشرعي سليم وهذا ينافي معتقد العَلمانيين (بفتح العين) والقائلين دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، هذا معتقد فاسد فيه نكران لنعم الله على عباده.

التَّوالد البَكْري:

    يظن الجهلاء أن الإنسان قادر على إنشاء الأحياء من الأموات، وأن الحياة بدأت بالمصادفة على سطح الأرض من مواد ميتة تجمعت فأنشأت الكتلة البروتوبلازمية الحية الأولى ومنها نشأت الكائنات الحية من دون موجود عليم خبير قادر مقدر، وقد تحداهم الخالق سبحانه وتعالى في كتابه المعجز أن يخلقوا ذبابًا من العدم وقد عجزوا وهم عاجزون عن ذلك، الخالق وحده القادر على ذلك إن شاء أوجد المخلوق كما يشاء.

كما يظن الجهلاء أن الذرية لا تأتي إلا بالتزاوج بين الذكر والأنثى وقد غفل هؤلاء عن أن الخالق قادر على إيجاد الذرية من دون تزاوج فإنه يقول للشيء كن فيكون، وهو المنمي قدرته سبحانه وتعالى لإيجاد المسيح عليه بن مريم عليه الصلاة والسلام من دون أب، وقد فتن الجهلاء بهذا فعبدوا المسيح عليه السلام وقالوا هو ابن الله سبحانه وتعالى، وقد غفل هؤلاء على أن ملكة النحل قادرة على إنتاج ذرية من دون حيوانات منوية فذكور النحل ناتجة عن بويضات أنثوية غير مخصبة وكذلك يفعل النمل، وهذا أنموذج حيوي يدلل على طلاقة القدرة الإلهية ويسمي العلماء هذه العملية بالتكاثر البكري ففي كثير من الحشرات تلجأ الأنثى إلى التكاثر البكري في حالة فشلها في العثور على الذكر وفي حشرات أخرى فإن ظاهرة التكاثر البكري دون تزاوج طريقة أساسية للتناسل، وقد سجلت في جميع رتب الحشرات فيما عدا رتب الرعاشات وجلدية الأجنحة وشبكية الأجنحة وخافية الأجنحة ويتوقف جنس الحشرات الناتجة من البويضة غير المخصبة على سلوك الجينات عند الانقسام الاختزالي، وينتج التكاثر البكري الاختياري ذكورا فقط كما يحدث في النحل، وتتحكم الأنثى في إخصاب أو عدم إخصاب البويضة عن طريق التحكم في إطلاق حيوانات منوية من المخزن المنوي عندها أثناء مرور البيض في قناة البيض.

وإنتاج الإناث عن طريق التكاثر البكري هو النوع الأكثر شيوعًا في كثير من أجناس الحشرات التي تتكاثر بكريًا. (انظر كتاب الحشرات، التركيب والوظيفة، ر.ف. شايمان، ترجمة أحمد لطفي عبدالسلام وآخرون، الدار العربية للنشر والتوزيع، 1 ج: 2. ط: 1. ص: 253).

وهكذا تتمثل طلاقة القدرة الإلهية في هذه الكائنات الحية معلنة أن الخالق على كل شيء قدير.

وقد فطن الباحثون الغربيون أنفسهم لهذه الحقيقة فقالوا: إن الحياة لا تتولد إلا من الحياة، فلا خلق في الاستنساخ أو في استخدام الخلايا الحية الجذعية، ونحن نتحدى الملحدين والعلمانيين (بفتح العين) أن يوجدوا خلية واحدة حية من مركبات غير حية.

التكاثر الخضري:

    يتكاثر النبات بطريقتين رئيسيتين الأولى هي: التكاثر البذري التزاوجي الخلطي بين الأمشاج المذكرة (حبوب اللقاح) والأمشاج المؤنثة (البويضات) ويتم هذا في النباتات الزهرية (مغطاة البذور) ومعراة البذور، كما يتم التكاثر التزاوجي بين الأمشاج المذكرة والأمشاج المؤنثة في الحزازيات والثريديات، وتتم هذه العمليات في إيقاع منظم ومرتب ومقدر يدل دلالة قاطعة على وجود نظام محكم في خلق هذه النباتات وهذا ينفي نفيًا علميًا قاطعًا نظريات المصادفة والعشوائية في الخلق.

كما يتكاثر النبات بالتكاثر الخضري (بفتح الخاء والضاد) من دون الحاجة إلى الأمشاج المذكرة والأمشاج المؤنثة، ويتم هذا التكاثر بإيقاع منظم ومرتب ومقدر ومحكم وبطرائق مختلفة ومتباينة بالدرنات كما هو الحال في نبات البطاطس، وبالغصون كما هو الحال في معظم النباتات، كما يتم بالفسائل كما هو الحال في النخيل والنجيل ويتم أيضًا بزراعة الأنسجة والقاسم المشترك بين أنماط التكاثر الخضري هو استخدام أجزاء حية من النبات، ويستحيل إحداث هذا التكاثر يبين الأجزاء الميتة فالحياة لا تتولد إلا من الحياة بما يفسد على الملحدين معتقدهم أن الحياة نشأت من مكونات ميتة وبالمصادفة والعشوائية والعوامل البيئية الميتة غير الواعية وغير المنظمة.

وقد استغل الإنسان تلك الخصائص الحيوية التي أودعها الخالق في الخلايا الحية لزراعة الأنسجة والاستنساخ والتطعيم يبين النباتات المختلفة والموافقة وراثيًا.

في هذا التكاثر تخرج الجذور من الخلية الحية وتخرج منها البراعم الخضرية في إعجاز عجيب ومعجز، ونحن نطلب من الملحدين أن يأتوا بأفرع نبات جافة وميتة،ثم يزرعوها ويديروا الحياة في خلاياها الميتة.

أود من المحلدين أن ينظروا إلى تلك الأجزاء الخضرية وهي تعطي النباتات الكاملة والقادرة على إنتاج البراعم الزهرية التي تخرج منها الأزهار رائعة الجمال والأشكال والألوان والروائح والتركيب الكيماوي – الحيوي المتميز.

وعلى هؤلاء أن ينظروا إلى الثمار متباينة الأشكال والألوان والطعوم والروائح والفوائد الطبي والغذائية ويسأل كل واحد منهم أين كانت هذه الأزهار وهذه الثمار في هذا الفروع الذي غرسه الزارع؟!!

الحقيقة العلمية أن هذه الصفات كانت مكتوبة بكل تفاصيلها على الجزئيات الوراثية [DNA] الحاملة لتلك الصفات والتي تتميز كل نبات عن الآخر.

فمن أوجد وأركز وقدر هذه الجزئيات محكمة التركيب والترتيب؟!!

الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه أنه الخالق والموجد والمقدر لهذه الكائنات ولم يدع مخلوق أنه قام بذلك ولم يسجل أحد من البشر براءة الخلق والإبداع من العدم لهذه النباتات، ولم تحدثنا الطبيعة العمياء والصماء أنها فعلت ذلك.

فمتى يعمل الملحدون عقولهم ويرجعون الخلق لصاحب الخلق القائل (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أيام ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ يُغشِي الَّيلَ النَّهَارَ يَطلُبُهُ حَثِيثا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَتِ بِأَمرِهِ أَلَا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَلَمِينَ) (الأعراف: 54).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٤٦٠٢ – الجمعة ١٦ مارس ٢٠١٨ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٣٩هـ