نشرت أخبار الخليج يوم الأربعاء الموافق 17 فبراير 2016م تعريفا بأحد الكتب الصادرة مؤخرًا جاء فيه كلام عجيب من المؤلف الكاره لشرح الإشارات العلمية في الآيات القرآنية وبيان ما فيها من حقائق علمية، وفي البداية ننقل إليكم ما ورد في التعريف حرفيًّا ثم نفنده تفنيدًا علميا وشرعيا وعقليا لنبين مدى تهافت هذا الفكر الغريب والعجيب.

جاء التعريف تحت عنوان الإعجاز العلمي تحت المجهر وفيه: (أصدرت مؤخرا دار اكتب للنشر والتوزيع كتابا بعنوان «الإعجاز العلمي تحت المجهر» للكاتب حمزة رستناوي. من أجواء الكتاب القول بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم شيء والإيمان بالقرآن الكريم ككتاب مقدس من مصدر إلهي شيء مختلف، وهما ليسا متلازمين، فالمسلم ليس بحاجة إلى الإعجاز العلمي كي يكون مسلما صالحا، وهو سيصوم رمضان بغض النظر عن الإعجاز العلمي في الصيام على سبيل المثال.
إن كتابات الاعجازيين تعاني عيبا منهجيا في خرقها لمنهج البحث العلمي بحد ذاته، ثم إن لكل علم ثمرة في الحياة، وثمرة العقيدة تترجم في صلاح الإنسان والمجتمع، بعد مرور نصف قرن ماذا جنى المسلمون من وجود هذا الجيش الجرار من الإعجازيين والميديا المسترزقة بهم؟) انتهى التعريف.
ونحن نقول: إن المجهر المستخدم من المؤلف لكشف ماهية الاعجاز هو مجهر علماني (بفتح العين) كاره لدعوة الناس إلى الدين بأسلوب علمي عصري يستخدم الحقائق العلمية الحديثة لبيان الحقائق العلمية في الاشارات العلمية في القرآن الكريم، وفي البداية نقول إن القرآن الكريم ليس كتاب فلك أو نبات أو حيوان أو جيولوجيا أو مياه أو كائنات حية دقيقة ولكنه كتاب هداية جعله المولى عز وجل المعجزة الدائمة والمقروءة لدين الإسلام وللرسالة الخاتمة، وقد ضمنه الخالق سبحانه وتعالى إشارات علمية كونية يتعرف المسلم ماهيتها وصحتها عندما يكشف العلم الحديث عن حقيقتها، وإن لم يشرح المختصون هذه الإشارات في ضوء الحقائق العلمية تظل هذه الآيات غير ذي جدوى أو مغزى وتظل رهينة بتفسيرات السابقين التي تتجافى مع معطيات العلم الحديث، وهذا يعرض القرآن الكريم للظن أنه يتنافى مع الحقائق العلمية والأمثلة على ذلك كثيرة في تفسيرات السابقين، وإذا كان القرآن الكريم لا يخلق عن كثرة الرد ولا يشبع منه العلماء فإنّ آياته عطاءة وفق العطاء العلمي للزمان.
لقد ظن الملحدون والعلمانيون (بفتح العين) والكارهون لدين الله أن التقدم العلمي سيطوي صفحة القرآن الكريم وسيتم سجن الدين في المناسك وبذلك ينعزل الدين عن الحياة ويظل حبيس المساجد التي انصرف عنها في فترة سيادة الفكر العلماني الشباب وعلماء العلوم الكونية، ولكن فوجئ العلمانيون بأن القرآن الكريم تفجرت آياته بالإعجاز العلمي في عصر العلم الكوني وفسدت الخطة العلمانية (بفتح العين) الدنلوبية الرامية إلى حبس الدين في المساجد والصلاة والصيام والعمرة والحج، وفسدت خطة عزل علماء الشريعة عن العلوم الكونية ليأتي عليهم يوم ينعزلون عن المعترك العلمي للحياة، ولذلك نشط العلمانيون (بفتح العين) في مهاجمة الإعجاز العلمي وأساتذة التفسير العلمي للآيات القرآنية وبيان ما فيها من إشارات علمية وكتبوا المقالات، وألفوا الكتب وعقدوا البرامج الرامية إلى تحقير علماء التفسير العلمي للآيات القرآنية، وما هذا الكتاب الذي نحن بصدد الرد على ما نشر منه في جريدة أخبار الخليج إلا حلقة في السلسلة العلمانية (بفتح العين) لإبعاد الدين عن لغة العلم في عصر العلم.
يقول المؤلف: (القول بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم شيء والايمان بالقرآن الكريم ككتاب من مصدر إلهي شيء مختلف، وهما ليسا متلازمين).
نقول للكاتب من مسببات الإيمان بأن القرآن الكريم من مصدر إلهي العديد من الأسباب ومنها الإشارات العلمية في آياته عن النبات والحيوان والفلك والجيولوجيا والعمليات الحيوية الواردة في آياته، ومن الثابت أن القرآن الكريم بنى الإيمان العقائدي على أدلة وأسس كونية دالة على أن الخالق عليم خبير، كما بناه على أسس غيبية وعقلية وأوحى بها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، ودائما يأتي القرآن الكريم بالأمور الغيبية ويدلل على صدقها بالإشارات العلمية، هذا المنحى القرآني متكرر في سور القرآن الكريم بطريقة ثابتة وواضحة.
يقول الكاتب: (فالمسلم ليس بحاجة إلى الإعجاز العلمي لكي يكون مسلما صالحا وهو سيصوم رمضان بغض النظر عن الإعجاز العلمي في الصيام على سبيل المثال) انتهى.
أقول: هذا قول حق أريد به الباطل، فالمسلم عندما يتأكّد أن الصيام لا يتنافى مع الحقائق الدالة على ذلك، فإنه لا يقع تحت إرجافات أعداء الله الذين يدعون أن الصيام يضر بالصحة للصحيح، ويصوم المسلم وهو مرتاح البال في عصر تفسر فيه سلوكيات الناس وفق المعطيات العلمية، المسلم يصوم لأنّ الله سبحانه أمره بالصوم والحقائق العلمية تُطمئن الناس على صحتهم مع الصيام وتدفع عن الدين إرجافات المرجفين.
أما القول: (إن كتابات الإعجازيين تعاني عيبا منهجيا في خرقها لمنهج البحث العلمي بحد ذاته) انتهى.
أقول: هذا تعميم يحتاج إلى أدلة بحثية بأن كل كتابات الإعجازيين تعاني عيبا منهجيا في خرقها لمنهج البحث العلمي بحد ذاته، وإذا وقع البعض من المفسرين العلميين في هذا الخطأ فإنّ البعض الآخر منهم لم يقع في هذا الخطأ، ومن أخطأ يقال له أخطأت، ومن أصاب نقول له أصبت، وأنا شخصيا انتقدت بعض المفسرين العلميين ولكن التعميم الوارد في التعريف بالكتاب يدلل على أن المؤلف وقع في نفس الخطأ الذي يتهم به الإعجازيين.
يقول المؤلف: (ثم إن لكل علم ثمرة في الحياة، وثمرة العقيدة تترجم في صلاح الإنسان والمجتمع، بعدما يزيد على نصف قرن ماذا جنى المسلمون من وجود هذا الجيش الجرار من الإعجازيين والميديا المسترزقة بهم) انتهى.
الإجابة عن هذا السؤال تبين أن المسلمين جنوا من جيش الإعجازيين العديد من الفوائد منها: قيام علماء العلوم الكونية بسد الثغرة التي أحدثتها السياسة الاستعمارية الدنلوبية العلمانية التي حرمت علماء العلوم الشرعية من الدراسة العلمية المنظمة للعلوم الكونية وفصلتهم عن لغة عصر العلم مع وقوعهم في العديد من الأخطاء العلمية عند تفسير الآيات المتضمنة للإشارات العلمية في القرآن الكريم، كما أن دخول علماء العلوم الكونية في مجال الدعوة أفسد الخطة الخبيثة الرامية إلى أن الدين يتنافى مع العلم والعقل.
وقد ورد في التعريف الوارد في أخبار الخليج ما يدل على ذلك عندما قال المؤلف (القول بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم شيء والإيمان بالقرآن الكريم ككتاب مقدس من مصدر الهي شيء مختلف)، هكذا يريد العلمانيون (بفتح العين) أن يفصلوا الدين عن العلم، وينكروا الصلة الوثيقة بين القرآن الكريم والعلم.
أما ما ورد في نهاية التعريف بالكتاب من القول: (ماذا جنى المسلمون من وجود هذا الجيش الجرار من الإعجازيين والميديا المسترزقة بهم) انتهى، هذا كلام يحمل التشنيع الواضح على علماء الإعجاز العلمي ومن يساعدهم في بيان دعوتهم وهو ختام يوضح السبب الحقيقي من هذا الكتاب.
لقد تعلم المسلمون الكثير عن الحقائق العلمية في الآيات القرآنية عندما تصدى كل صاحب تخصص علمي لشرح ما ورد في القرآن الكريم في مجالات النبات والحيوان والجيولوجيا والمياه والفلك والكائنات الحية الدقيقة وزخرت المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات في هذا المجال وهذا مكسب كبير للعرب والمسلمين وللباحثين عن الحق من غيرهم والحمد لله رب العالمين.
ملحوظة: السياسة الدنلوبية: نسبة إلى دنلوب المعتمد البريطاني في مصر أيام الاحتلال والذي وضع خطة لفصل العلوم الشرعية عن العلوم الكونية، وخطط لعزل الدين عن الحياة وفق الخطة الاستعمارية.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٨٧٤ – الجمعة ١٨ مارس ٢٠١٦ م، الموافق ٩ جمادى الآخرة ١٤٣٧ هـ