دَمَعَت عيناي وتَقَطَعَ قلبي حسرة عندما قرأت على مدى ثلاثة أيام متتالية الأخبار العلمية التالية في صحيفة أخبار الخليج: الثلاثاء 7 أكتوبر 2014م فوز أمريكي وزوجين نرويجيين بجائزة نوبل في الطب، الأربعاء 8 أكتوبر 2014م، جائزة نوبل في الفيزياء إلى مخترعي مصابيح (LED) المقتصدة للطاقة وهم من اليابانيين والأمريكيين، يوم الخميس 9 أكتوبر 2014م، فوز أمريكيين وألماني بجائزة نوبل للكيمياء.

هكذا تتوالى النجاحات والإبداعات العلمية في العالم، والعرب نائمون منشغلون بداعش والإرهاب والفوضى في سوريا والعراق واليمن وليبيا وشباب العرب في الشوارع والمظاهرات وأساتذة الجامعة ومراكز البحوث منشغلون بالترقيات الإدارية والبحوث الورقية التي تنتهي صلاحيتها عقب الحصول على الترقية، واتجه الكثير منا للدراسات العليا في العلوم النظرية غير الأساسية، وميزانيات البحوث العلمية لا تغني ولا تسمن من جوع، وبارت بضاعة العلوم الكونية في ديارنا، والمجتهدون من الأساتذة لم يجدوا لهم مكانا في المجتمع إلا بالكتابة والبحث في العلوم الرائجة في سوقنا الإعلامي، وبذلك تخلفنا علميا وتقنيا وخرجت جامعاتنا من التصانيف العالمية للجامعات المتقدمة وأنشئت الجامعات الخاصة التي لا مكان فيها لدراسة الكيمياء أو الفيزياء أو الأحياء والعلوم التطبيقية عندهم تشمل المحاسبة واستخدامات الحاسب الآلي (تقنية المعلومات) والتسويق والمحاماة والإعلام وغير ذلك من التخصصات النظرية وهُجرت العقول العربية المبدعة علميا إلى الدول المتقدمة ونسبت إبداعاتهم وإنتاجهم العلمي إلى تلك الدول التي تبنتهم ورفعت من شأنهم، وجاءت نتائج الفوز ولا عالم واحد من ديار العرب في تلك النتائج.
والمؤامرة الآن على المواد العلمية في التعليم العام حيث ألغيت التجارب العملية الميدانية والكل يسعى إلى إدخال التجارب المبرمجة والمحاكاة للتجارب المعدة سلفا على الحاسوب تلك المواقف التي تحاكي لعب الأطفال وتقضي على المهارات النفس ـ حركية والإبداعات الميدانية.
إن أردنا لأمتنا التقدم العلمي علينا بالاهتمام بالتجارب والمقالات والبحوث العلمية الحقيقية في التعليم العام بدءًا من الحضانة إلى الثانوية العامة مع تفعيل البيئة المحلية في تلك الدراسات بحيث يدرس الطالب نباتات البيئة المحلية (الفلورا المحلية) وحيوانات البيئة المحلية (الفونا المحلية) ويعزل الكائنات الحية الدقيقة من الهواء والماء والتربة المحلية، ويدرس الجبال والبيئات الجغرافية المحلية، ويحلل مياه البحر ويعزل الكائنات الحية منها ويدرسها وكلها دراسات لا تكلف الكثير من الأموال ولها مردود عال في تنمية القدرات والمهارات والمعلومات.
المشكلة أن النصاب الدراسي الصفي للطلاب في مراحل التعليم العام هدَّ كاهل المعلمين والمعلمات والطلاب وأولياء الأمور ونشَّط تجار ومافيا الدروس الخصوصية في ضوء التركيز على المعلومات النظرية وعندما يوجد النشاط يستغل الطائفيون من المعلمين والمعلمات هذه المجالات لتمييز أبناء طائفتهم في الدرجات مما يؤهلهم للفوز بالبعثات والأماكن المتاحة في الجامعات.
وقد عزف الطلاب عن الالتحاق بكليات العلوم وكادت بعض أقسام الفيزياء والأحياء تغلق أبوابها لعدم وجود دارسين، والوظائف في المجتمع تركز على التسويق والمحاسبة وإدارة الأعمال ولا مجال لخريجي أقسام الفيزياء والأحياء والجيولوجيا في سوق العمل،
إنها المأساة العلمية التي تجسد مصيبتنا العلمية وتخلفنا العلمي والمستقبل المظلم الذي ينتظرنا في العالم الحديث.
الدول المتقدمة تعتمد على البحث العلمي والعلماء، وأهل الذكر، في دراسة وحل المشكلات الحياتية، ونحن نعتمد على العشوائية والمحسوبية في الوظائف، وكيف لجاهل دخل الوظيفة بالواسطة والمحسوبية أن يجتهد وينشغل بحل بعض المشكلات التي تحتاج إلى قدرات ومهارات علمية غير موجودة عند هؤلاء.
ونحن جميعا نُقدر الوظائف الإدارية ونُقدر المديرين ونحتقر الوظائف التنفيذية والميدانية، الكل في التعليم يحلم بمدير مدرسة ومتنفذ في الوزارة والمعلم الخبير إن استمر في التدريس لم يجد من يقدره من المديرين والطلاب وأولياء الأمور ويعتبرونه كخيل الحكومة القديم الذي يجب التخلص منه وهذا مكرور في كل الوظائف والمجالات.
في جائزة نوبل في الفيزياء أجرى أكاساكس (85 عاما) أبحاثه مع أمانو المولود عام (1960م) في جامعة ناغويا اليابانية، إنه التقاء الخبرات المتراكمة والشابة وتعاون الأجيال في حل المشكلات وتقدير الكبار والصغار، وهذا يذكرنا بجيل الصحابة رضوان الله عليهم، حيث الشيوخ أبو بكر وعمر وعثمان وأبو أيوب الأنصاري وزيد الشاب وجعفر الطيار وعبدالله بن رواحة وكعب ابن مالك الشاب وهلال ابن أمية (80 عاما) ومرارة بن الربيع في واقعة الثلاثة الذين خُلِّفوا عندما تخلفوا عن الجماعة في غزوة تبوك.
ما أجمل الأوقات التي يقضيها الباحث العلمي أمام أجهزة بحثه وظهور النتائج المشجعة واكتشاف عظمة الله في خلقه وكونه وإبداعه والإتقان في الخلق.
ومن أسوأ البحوث تلك التي تجرى من أجل الترقية الإدارية في الجامعة، أو تُلفق نتائجها لأنه لا أحد يدقق أو يراجع أو يحاسب أو يعلم.
قرأت وأنا في شبابي وأعمل معيدا في الجامعة أن في بعض الدول المتقدمة اكتشفوا تلفيقات بعض الباحثين من خلال مخلفات أوراق مختبرهم ودراستها من قبل الجهات المسئولة عن ذلك واكتشاف الاختلافات بين النتائج الموجودة في المسوَّدات الملقاة في حاويات القمامة الورقية وتلك المنشورة من قبل الباحثين في نفس المكان.
لا تقدم إلا بالبحث العلمي، ولا بحث علمي من دون إعداد علمي للباحثين وتقدير علمي واجتماعي للباحثين ورصد الميزانيات اللازمة للبحث العلمي، والمختبرات ورعاية الكفاءات الحقيقية والمبدعين الحقيقيين والبعد عن المحسوبية والوساطة في تقلد الوظائف العلمية وغيرها.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٤٢٦ – الجمعة ٢٦ ديسمبر ٢٠١٤ م، الموافق ٤ ربيع الأول ١٤٣٦ هـ